إيقاعات سحابة   ..إيقاعات سحابة عابرة...   .. لهواة التذحيج : ـ هل سبق أن ذُحِّجَ بك من قبل؟ ـ نحن على استعداد تام للتذحيج بك وفق إمكانيات هائلة سُخّرت من أجل عملائنا الكرام، فقط اتصل على هواتفنا المبينة في هذا الإعلان واستمتع بتذحيجة العمر.   ....إيقاعات سحابة عابرة   ..نرحب بالكتابة لغة الياسمين ضيفة إيقاعات سحابة عابرة في اللقاء الذي سينشر قريبا بحول الله .   . إيقاعات سحابة عابرة...    ..   إيقاعات سحابة عابرة    ..   إيقاعات سحابة عابرة   .. ترحب بزوارها الكرام.. حللتم أهلا ونزلتم سهلا...  إيقاعات سحابة عابرة      إيقاعات سحابة عابرة    للتذحيج العصري إعلاناتنا . ــ هل سئمت أجدادك وترغب استبدالهم بكبسة زر ؟ نحن نستشعر معاناتك دوما .. فوضعنا خبرتنا في مجال التذحيج بين يدي عملائنا عبر القارات . اتصل بنا الآن لتحصل على خدمة إضافية . ...
Loading...

أوتوبيس جيزان...!!


(رواية )







(تنويه)





بدأتُ كتابة هذه الرواية في الحافلة المتجهة إلى مدينة جيزان على الطريق العام الذي يعبرالصحراء الممتدة بين الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية وصولا إلى صبيا "جنوب غرب المملكة " على امتداد جغرافي يقدر بـ "1450" كيلو مترا، وامتداد وزمني بلغ "19" ساعة وتحديدا من السابعة صباح يوم الخميس 10ـ 4 إلى الساعة الرابعة من فجر الجمعة 11ـ4 1431هـ .

وأي تطابق في اسماء الشخصيات والأحداث مع اسماء وأحداث حقيقية فإنما يأتي ذلك عن سابق إصرار وترصد .




الإهداء:

إلى .......

معا لتطويع الواقع الممض.. إلى خيال مبهج مستساغ..!!

وليكن ذلك أضعف تعبير عن الذات..





(1)



من حسن الطالع أن الحافلة ذات الرحلة رقم "980" والمتجهة إلى "جازان" كانت تقل الإعلامية الشهيرة لينة السكري وإلا لأصبحت بالنسبة لي رحلة مملة كالعادة..

ومكثتُ أتحين اللحظة المناسبة لأمد جسرا من التواصل بيني وبينها ..

فيما أخذتُ أتأملها وأرصد كل حركة تند عنها ، كانت هي تسارقني النظر دون أن تبدي تذمرا أو اعتراضا واضحا على لقطة الكلوز التي أصبحتْ مقيدة داخلها من قبلي بعد أن التمحتها بين الجمهور المتكدس أمام البوابة رقم 9 في صالة المغادرة ؛ لشركة النقل الجماعي بالعاصمة.

وبعد سماعي النداء انشغلت بإجراءات الصعود إلى الحافلة ، وقد تزامن مع انطلاق الجميع باتجاه البوابة..وفي داخل الأوتوبيس حرصت على أن يكون مقعدي وسطا في نقطة أقرب للباب الخلفي ودورة المياه.. وما إن حشرتُ الكتب التي اصطحبتها أمامي في السلة الملتصقة بظهر المقعد حتى ذهبتُ أتفحص جيراني الركاب ، ولم أدهش لوجود لينة السكري تعمر الكرسي المجاور في الصف الأيسر بحيث لا يفصلني عنها سوى الممر الطويل الذي يقسم الباص إلى قسمين : قسم شمالي وقسم جنوبي ..

معظم المقاعد كانت شاغرة ؛ إلا من ستة عشر راكبا انتثروا بعشوائية ودون انتظام. ففي أقصى المقاعد الأمامية تجلس النساء ؛ وعلى النقيض منهن في أقصى الخلف يجلس الرجال.

لا أحد هنا يتحدث إلى أحد، والقلة النادرة هم من يتجاسرون على كسر الأسوار الوهمية التي يشيدها الجميع ليستتروا خلفها من اقتحام الآخرين.. حتى النظرات لا نتبادلها فلا نمعن في وجوه بعضنا إلا عند الحاجة الملحة جدا وعلى استحياء.. ولم يسبق أن تصادف وابتسم أحدنا في وجه الآخر ، لكنني برغم هذا المنهج القاحل ؛ فقد قررت كسره والتمرد عليه، ولكن قبل أن أخطو بشكل فعلي في هذا الاتجاه ؛ ألقيت نظرة شاملة على التوزيع الجغرافي للركاب .. فتهيأ لي أن من قام بترتيبهم على هذا المنوال قد أخذ بعين الاعتبار ما أزمع القيام به..كان هناك ثلاثة إخوة يمارسون مرضاة الرب في أقصى نقطة تبعد عن الأخوات المسافرات ، بينما يحف بي قلة من الجنسيات العربية والآسيوية .. وهم إما منكفئون إلى الداخل بصورة متطرفة ، أو متجاوزون لحدود المكان عبر أحلام مجنحة يحفزها على الإسراف ما يشاهدهونه من إيحاءات وبوادر تشير إلى ثراء محتمل يفصلهم عنه سنوات قليلة..حتى لينة السكري التي تعمل في إحدى القنوات المحلية، كانت هي أيضا مغموسة في هواجسها الخاصة.

لينة السكري تعتبر وجها إعلاميا مميزا وعرفت في الوسط الثقافي كاتبة بارعة قبل أن تنضم لإحدى القنوات المحلية مخرجة ناجحة للفواصل الشعرية التي تقدمها قناة الثقافة ، تحت مسمى ف.ق.ج ، أي فواصل قصيرة جدا..من ناحتي فأنا أحد المتابعين المشدودين لفواصلها التي تعتمد على التراث الشعري في مادتها، مضيفة بعدا سينمائيا فنيا يجسد الصور الشعرية لدى أصحاب عيون القصيد العربي..

لكأنها أحست لينة السكري مدى التوق الذي يصطرع في داخلي فحانت منها التفاتة شعرت معها باضطراب لأول وهلة ثم انساب صوتها الندي الذي لا تخطئه الأذن :

- إلى أي محطة ستكون وجهتك يا أخي؟

- كنت سأسألك لكني والله تهيبتك!

ثم أردفتُ : إلى مدينة صبياء حيث سأستقل سيارة أجرة إلى جبال فيفاء شرق جازان.. وأنت؟

- محطتي وادي الدواسر وقد أواصل باتجاه أبها ولكن في وقت لاحق فأنا أتتبع بيئات الشعر المختلفة لالتقاط المشاهد السينمائية التي يحتاجها برنامجي ... (قاطعتها)

- فواصل قصيرة جدا (هزت رأسها بالإيجاب وابتسمت) ثم واصلتُ حديثي قائلا : طبعا فهو برنامج ناجح واستطاع لفت الأنظار من قبل شريحة كبيرة من المتابعين وكان صوتك المميز محل الإعجاب وأنت تلقين أشعار الخنساء بأداء جميل ولغة فاتنة في فواصل شعرية غاية في الدقة والإبهار التصويري والفلسفي.

ثم اعتدلت في جلستها وكأنها استعذبت حديثي بل التفتت ناحيتي تماما لتسمع المزيد من التقريض، لكن هاتفها بدأ يرن فأشاحت دون أن تنوه عن مقاطعتى بابتسامة استئذان.. واسترسلت تتحدث بانفعال ظاهر مع الجانب الآخر بينما أخذتُ في استعادة التاريخ...... " لقد عرفتُ اسم لينة السكري من خلال عمودها الأسبوعي في الملحق الثقافي من صحيفة الرياض ، وبمتابعتي الدائمة استطعت أن أكون عن ثقافتها وطموحها فكرة جيدة.. ورغم اصرارها على نشر صورتها برفقة المقال إلا أن ذلك لا أراه مصوغا للحكم عليها بتبني منهجية ماّ في التفكير كما درج أصحاب المدرسة المنفعلة في تصنيفهم للكتاب والمبدعين في بلادنا ، (لينة)؟؟.... ما معنى هذا الاسم؟....إنه اسم تنحصر دلالته في بيئة لغوية محدودة ..ولو لم تكن لينة هي من هي ، لما طربت لهذا الاسم بالتأكيد....ثم لماذا لا يكون اسمها أحلام أو فيروز ؟...اسم فني مثلا ؟...إنها تبدو لي الآن أكثر رزانة وحكمة مما توحي به صورتها في اللقطة البروفيل التي أطالعها كل خميس.." ولم يقطع هذه السلسلة من التداعيات سوى صوتها متسائلة :

ـ أين وصلنا في حديثنا يااا.. عفوا اسمك الكريم؟

ـ مهنّد ..........اسمي مهند الريفي..

ـ أهلا وسهلا تشرفت..

ـ أهلا بك يا أستاذة لينة ، وقد لا تعلمي بمقدار امتناني لشركة النقل الجماعي..التي كانت حافلتها نقطة لقائي بأعظم مخرجة سينمائية في الخليج أو في الوطن العربي ، وأرجو أن يتيح لي كرمك ونبلك فرصة التعريف بمواهبي المتعددة..في سبيل تبنيها من قبل برنامجك ذائع الصيت..

ـ شوف يا أخ مهنّد سأكون معك واقعية وصريحة جدا ..فمع تقديري لأي مواهب تتمتع بها إلا أن برنامجي يعتمد على فريق من الأكاديميين الـ.... "يعلو صوت أحد الركاب من مؤخرة الحافلة مهيبا بالسائق أن يزيد من سرعته قائلا "يا خي حط رجلك ورانا خط طويل واللي يرحم والديك ..ادعس! ادعس! " .

لقد جاء صراخه كالفاصلة..وتنبهت بأن الجميع كانت نظراتهم وآذانهم مشدودة ناحيتنا وأنهم يتابعون حديثا لم يتبينوا كنهه ..غالبهم كان يفعل ذلك تحت إلحاح الصوت الأنثوي الذي ينساب بثقة من منتصف الأوتوبيس..بينما تناولت لينة صحيفة الرياض وأخذت تقلبها بصمت..وعدت إلى وضع الركوب وتأكدت من اصلاح عقالي وانكفأت إلى الداخل أطرح التساؤلات وافترض لها الإجابات المناسبة.

....." لعلي لم أكن موفقا في التعريف بنفسي بصورة مثلى ، وقد أكون مضطرا إلى تكرار العملية مرة أخرى ؛ حتى أتمكن من إيصال مفاهيمي حول "الموهبة" ، فقد تكون تلقتها منى بشكل سطحي يتشابه مع ما نسمعه في محيطنا عندما امتهنت هذه المفردة وأصبحت مفرغة من أي رصيد ..لكن ما يزال الطريق في أوله وقد تعن فرصة أخرى..

ثم ألتفت ناحيتها وما زالت تتصفح الجريدة باهتمام وعناية..بينما كنا نجتاز مدينة الخرج.

"إن إعجابي بهذه الفتاة لا حدود له وسيزداد عمقا بعد هذا اللقاء الذي يبدو غير عابر..ها أنا أجدها أجمل مما استقر في الذهن ..بل هي حسناء لم تتجاوز الثلاثين وفقا لسيرتها الذاتية ، لكني لا أراها تخطت الرابعة والعشرين..فهل ياترى كان هذا الجمال الفاتن والأنوثة الطاغية هي ما شدني إليها ؟ .. لست على يقين تماما.

..إنما كان حرفها الأنيق هو الذي اقتادني إليها في بادئ الأمر .

.. لقد ظلت تكتب طيلة العام المنصرم دون أن ترفق صورتها بمقالاتها ، مما يعني انتفاء الإعجاب لإحالات أخرى .

..لا ..لا هذا التفسير لا أجزم بدقته.

..لكن ماذا لو كان هذا الإعجاب لأنها تمهر مقالاتها باسم فتاة ؟ فيتولى الخيال رسمها بإيغال حتى يدنيها من آلهات الأغريق ؟ .

.. حقيقة أعجز عن تحديد بواعث هذا الإعجاب المتطرف من ناحيتي .

وتظل تصطخب داخلي تناقضات شتى دون أن أجد التفسير الذي ترتاح له النفس..

في هذه اللحظة طوت لينة السكري صحيفتها وأودعتها جانبا ثم التفتت إليّ وتساءلت :

ـ كم قطعنا من الطريق؟

ـ 65 كليومترا تقريبا ..مازلنا في حدود مدينة الرياض..وكيف بمن وجهته جبال فيفا يعني حوالي 1350 كليلومترا ؟ لكن لماذا التساؤل ؟ أهو شعور بالملل؟

ـ لا ليس الملل.. ولكن ألا ترى بأن الوقت يذهب ولم ننجز مسافة تذكر من هذه الصحراء ؟ وكأن الأوتوبيس مشدود إلى صم جندل ..تماما كليل الشاعر امرؤ القيس!!.

ـ سيكون عليك أن تدوزني أعصابك على الإيقاع الرتيب لساعة أخرى حتى تندمجي مع هذه الأجواء التي من شأنها أن تكرس في ذهنك ثقافة السفر نحو الجنوب..

هزت رأسها مبدية شيئا من التذمر وسحبت الستارة إلى يسارها لتعانق منظر الصحراء اللا متناهي وهي تجري إلى الوراء في انحياز لا يتوقف..وبدوري أخذتُ أتأمل الأوتبيس والركاب وكل التفاصيل المحيطة ..ولأول مرة أشعر بأن المكان جميل وهادئ ويبعث على الارتياح ..إحساس لم يخالطني في تجاربي السابقة التي تربو عن عشر رحلات برية بين الشمال والجنوب والعكس ، إنها المرة الفذة

التي أجد فيها أوتوبيس جيزان محترما جدا ، رغم الرائحة المنبعثة من مرحاضه ذو الباب المخلوع ، وما يذكيه من أبخرة تضخ مزيدا من الضيق والتوتر بين الركاب ، إلى نزق السائق المشدود نحوالطريق وكأنه دمية بلهاء ، إلى قسوة المقاعد التي تتواطأ بخبث على جسدي فتحيلة حطاما يضج بالألم، إلى أرضيته المتسخة وهي تكرس مشاعر الاشمئزاز كلما نظرتُ إليها.. إلى هذه الستائر المهترئة ، وهي تتدلى كخرق المومسات المصلوبة على أبوابهن بحسب التقاليد الجاهلية..كل هذا كان يشعرني في السابق بوحشة المكان وصبر الانسان ، أما هذه المرة فالأوتوبيس يشبه لوحة سريالية مدهشة تدعوني للتأمل والاستقراء .



2



ما كنت لأدع مثل هذه الفرصة أن تمر دون الاستغلال الأمثل ، مهما ظهرت السبل أمامي ملتحفة رداء المغامرة.. فطلبت من الآنسة لينة أن تعيرني الصحيفة التي ناولتني إياها دون أن تلتفت إليّ أو تتفاعل مع عبارة امتناني .. وطفقت أبحث عن مقالها الذي ينشر هذا اليوم من كل أسبوع ..ولكن لسوء الحظ لم أعثر عليه رغم التفتيش لمرتين متتاليتين..ولعلها كانت ترصد انهماكي في البحث دون أن أشعر بها... وبصوت خافت وكسول جدا كاد أن يتلاشى بين ضجيج الصفحات أمامي قالت : ( في الصفحة التاسعة ؛ العمود الأيمن )...
وعلى ذات الصفحة كنت أقرأ مقالها الذي جاء فيه :

( ويظل دور المرأة التربوي شاملا دون استثناءات ، بعد أن أثبت الرجل فشله الذريع في هذا الجانب ، وأصبح المجتمع يعج بالإمراض التي تعصف به وتشكل هاجسا مقلقا لكل تواق للبناء.. فالمعنى التربوي الكامن خلف الوصف القدسي لأزواج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمهات المؤمنين لم يستبينه الرجل كما يجب فجاهد من أجل عزلها وتحييد دورها السامي في تربية المجتمع حتى فقدت الكثير من قدراتها مع مرور الزمن وبات وجدانها من تشكيل وصياغة الرجل ذاته..واستعادة وظيفتها يتطلب إعادة تهيئة لبعض ملفاتها ..وذلك بالرجوع للدور الذي لعبته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إبان نزول الوحي أولا ثم باستحضار دور بقية الأمهات والصحابيات عند نشوء المجتمع الاسلامي في المدينة المنورة قبل أن تمتلئ أزقتها الضيقة بسبي الأعاجم.
وفي آخر المقال تضيف :
..ليس خافيا بأن المرأة هي الخصب والنماء للجنس البشري ولا يقف دورها التربوي عند التنشئة المبكرة للإنسان بل يظل قائما إلى أن تهيل عليه التراب )..
طويت الصحيفة وأنا أحاول جاهدا أن أفك بعض رموز المقال التي لم أتبينها لكني آثرت عدم استيضاحها حتى لا تتهمني بعدم مقدرتي على فهم ما ترمي إليه ..أريد أن أبدو في عينيها رجلا ممتلئا بالوعي والإدراك ..وناولتها الصحيفة ممتنا وفي ذهني أسئلة كبيرة عدلت عنها وقلت :
ـ كلامك جميل جدا وإن كنت أخالفك في بعضه إذ أن مجتمعنا يضع المرأة في المقدمة دائما وهذا دليل على استيعابه لمكانتها ودورها على مر التاريخ ..انظري هنا في الأوتوبيس على سبيل المثال ألا ترين مقاعد المرأة في مقدمة الباص بينما مقاعد الرجل في الخلف ؟؟..ألا يرمز ذلك إلى المعنى العام في هذه الناحية تحديدا حيث نجدها محل العناية والإحاطة من قبله فلا يضعها وراء ظهره ..بل هي كما ترين أمامه دائما وتحت بصره إن احتاجت إليه هب مسرعا وقدم لها مساعدته ممتنا راضايا..
قاطعتني مبتسمة وهي تهز رأسها بالإيجاب :
ـ لم أكن أتحدث عن هذا الجانب يا أخ مهند ولم تكن موفقا في تفسير ما كنت أرمي إليه ..ثم يا أخي من قال لك بأن المقاعد الأمامية ممنوحة للسيدات على أساس ماتفضلت به من الاهتمام والعناية ؟
أبدا أبدا..بل على العكس كان يفترض أن تخصص لهن المقاعد الخلفية حتى يشعرن بشيء من الحرية التي يصادرها الركاب وهم يرصدونهن من الخلف انظر لتلك الفتاة التي تحاول شحن هاتفها كم من العيون ترصد كفها المخضوبة مع كل حركة تند عنها؟ .
هذه لا تعد مزايا لصالحها مطلقا لكن الذي ابتكر هذا التعذيب أراد أن يعفي الرجل من عناء الإلتفات للخلف وارتياد دورة المياه بسبب وبدون سبب..إلاّ بالمناسبة إلا تجد بأن دورة المياه تقع في قسم الرجال من هذا الأوتوبيس؟ وأتحداك أن تشاهد امرأة ترتاده بالرغم من احتياجها له ,,حيث ستلتهمها العيون المتلصصة فيما لو قررت أن تحافظ على سلامتها من مخاطر الإحتقان..!!
( كانت تتحدث بأداء متهكم ظهر من حركة يدها اليمنى وملامح وجهها المقطب .. ثم عادت تنظر إلى الخارج البعيد من خلال زجاج النافذة)
نحن الآن على مقربة من مدينة الدلم.. فقط أميال قليلة تفصلنا عنها .. حيث بدأت تعن لنا مزارع النخيل ومسطحات القمح الدائرية..
ولم أهتم كثيرا للتفاصيل الخارجية بقدر ماكان يشغلني قولها بإنني لم أوفق في استقراء دلالة مقالها..وهممت أن أطلب منها الصحيفة مرة أخرى لأجل مذاكرة المقال ..فلا يحسن بي أن أفشل في نقاشها ؛ إذ كان سيتسبب في إقصائي تماما ..
ثم ماذا تقصد بعبارة "قبل أن تمتلئ أزقة المدينة بالسبايا من العجم؟"
على أي حال سأحاول الحصول على نسخة أخرى من مدينة الدلم التي
بدأنا نلج إليها عبر الشارع الذي يجتازها إلى الجنوب كان خاليا من الحركة الصاخبة وخجولا دون تواضع ..
وفي المحطة كان الباص قد توقف لحمل راكب سوداني أتاح لي المغادرة للبحث عن الصحيفة
ومالبثت أن عدت سريعا إلى مقعدي وبدأت أتصفح ..
وإلى الصفحة التاسعة ثم العمود الأيمن ..
ولكن أين المقال ؟
لا وجود له ..نعم هنا مقال باسم الكاتبة لكنه ليس ذلك المقال الذي سبق أن قرأته قبل لحظات..عدت أطالع تاريخ العدد فلعلي اشتريت نسخة قديمة يفترض بأنها من رجيع الأسبوع الماضي.. لكنه كان نفس العدد والمانشيتات هي هي..لم يتغير شيء سوى المقال ..ومع دهشتي واستغرابي انطلقت أقرأ :
(.... ويجب على المرأة في هذه المرحلة أن تستوعب الكرنفالات الاحتفالية المبتهجة بعودتها للحياة..وتلك الأفراح التي يشعلها المجتمع على مختلف المستويات الفكرية..مرورا من الوسط الثقافي ، وانتهاءً بالدهماء والعامة..الذين مكثوا أزمنة لا يرون المرأة في الحياة أوعلى هامشها، إلا ما كان عبر القنوات التلفزيونية والإعلام.. فكان السواد الأعظم يؤمن بتيقن أن ذلك ما هو إلا خيال فني ، وعالم افتراضي ، ينسجه الشعراء.. دون أن يكون له أي رصيد من الواقع........... ).

ربما كان هناك شيء وحيد لم أفهمه.. أما الآن فقد أصبحت أشياء عدة..
لكن .. ما الذي أدراها بأنني سأكون هنا في هذا التوقيت ؟ حتى ترشقني بهذا المقال الذي يقضي على كل طموحاتي في سبيل لفت انتباهها ناحيتي؟
سيل جارف من الأسئلة ...ثم أعاود القراءة..بينما كنت أتساءل : هل حقا كنت أحتفل بها وأشعل الشموع ابتهاجا بعودتها للحياة ؟ وإذا كان الحال كذلك ..
فهل كان عدم اهتمامها لوجودي هو عين الاستيعاب الذي توصي به في هذا المقال؟..
على هذا يتوجب عليّ من الآن أخذ الحذر حتى لا تستنتج جراء اهتمامي بها على هذا المنوال ..من أنني واحد من تلك العينات التي تتسابق لاقتحام المرأة لمجرد أنها لا تلبس غطاءً على وجهها..
وهنا طويت الصحيفة وخاطبتها بنبرة رسمية قائلا :
ـ ألا ترين معي يا أخت لينة بأن مقالتك قد بالغتْ قليلا في استقراء الواقع بحيث تعمّدتْ أن تصور الرجل وكأنه صاحب نوايا شريرة يتحتم على المرأة أن تواجهها بالهدوء والحكمة ؟.
ـوالله أجدني سعيدة جدا حينما أناقش ردة فعلك تجاه ما قرأته في مقالي هذا .. ولعلها المرة الأولى التي اضطر فيها للدفاع عن مقالة أنشرها..ففي الحقيقة لا أكتب من برج عاجي ، وإنما أرصد الواقع الذي ألمسه وأعايشه ..وبالتأكيد هناك مشكلة أناقشها في مقالي بوصفي امرأة يستدعي عملها أن تختلط بأفراد المجتمع.




( يتبع )

هناك تعليق واحد:

  1. لا أجد ما أضيف من كلمات تعبر عن شدة أنجذابى لهذه القصة الرائعة التى لم تتركنى حتى أتممت قرائتها بالرغم من تعجلى لأطوى هذه الصفحة لما لدى من مشاغل، حقيقة وجدتنى أتابعها وأكاد أعايش تفاصيلها وأرى وجوه أبطالها..جميلة سلمت يداك ..مع تمنياتى بالمزيد من الأبداع.

    ردحذف

:: مدونة إيقاعات سحابة عابرة، جميع الحقوق محفوظة 2010، تعريب وتطوير مكتبة خالدية::