إيقاعات سحابة   ..إيقاعات سحابة عابرة...   .. لهواة التذحيج : ـ هل سبق أن ذُحِّجَ بك من قبل؟ ـ نحن على استعداد تام للتذحيج بك وفق إمكانيات هائلة سُخّرت من أجل عملائنا الكرام، فقط اتصل على هواتفنا المبينة في هذا الإعلان واستمتع بتذحيجة العمر.   ....إيقاعات سحابة عابرة   ..نرحب بالكتابة لغة الياسمين ضيفة إيقاعات سحابة عابرة في اللقاء الذي سينشر قريبا بحول الله .   . إيقاعات سحابة عابرة...    ..   إيقاعات سحابة عابرة    ..   إيقاعات سحابة عابرة   .. ترحب بزوارها الكرام.. حللتم أهلا ونزلتم سهلا...  إيقاعات سحابة عابرة      إيقاعات سحابة عابرة    للتذحيج العصري إعلاناتنا . ــ هل سئمت أجدادك وترغب استبدالهم بكبسة زر ؟ نحن نستشعر معاناتك دوما .. فوضعنا خبرتنا في مجال التذحيج بين يدي عملائنا عبر القارات . اتصل بنا الآن لتحصل على خدمة إضافية . ...
Loading...

رحلة استكشافية لنص " اللثام" للقاصة السعودية هدى المعجل



**في منتصف الثمانينات من القرن الماضي كنت أسأل القاص محمد المنصور الشقحا عن مقصده بعبارة وردت في إحدى قصص مجموعته "قالت إنها قادمة"؟.. فكان يقول : عليك أن تستنتج مقصدي من خلال السياق، ولا أفضّل أن يقدم المبدع قائمة بمفاتيح الرموز لأي عمل ينتجه، وعلى القارئ دوما أن يجرب اقتحام النص الذي يستوقفه، ومن حينها لم أعد لسؤال الكاتب أيا كان عن مقصده من العبارة الفلانية، مهما كنتُ مولعا بالوقوف على الحقيقة المطلقة.
القاصة هدى المعجل صاحبة "اللثام" إحدى قصص مجموعتها "التابو"؛ أعادت لي هذه السيرة, وأوشكتُ أن أستنجد بها إلا قليلا, والذي يحز في النفس؛ أنني لم أقرأ لها من قبل، ولولا الفيس بوك الذي أتاح لي جسرا إليها، لما اهتديت لحرفها؛ من منتجعي النائي عن كل شيء، وحين عثرت على صفحتها قمت بنزهة سريعة على ملاحظاتها، وتركتُ وردة وغادرت؛ ولا أعلم هل عثرتْ عليها أم لا؟..لكني عاودت الحضور لذات المكان حيث قصة "اللثام".ولقد أسعفني "قوقل" بالعديد من النتائج لهذه القاصة، والغريب أن ناقدا قد تناول مجموعة " التابو" واقتبس مقطعين من نفس النص الذي أزعج فضولي، دون أن يمسسه بسوء!!..فعدت لمداخلات القراء على "اللثام" علني أعثر على ما يزيل الغموض عن هذا النص العميق جدا، فلم أعد بنصف ما أرجو .. واعتبرت ذلك حافزا لاختراق النص مستخدما كافة الوسائل المتاحة.وببساطة كان يمكنني كقارئ عابر ومتحمس تفكيك اللثام وحل رموزه العصية؛ من خلال التجوال بين نصوص ( النقطة الحمراء) 2005م و (التابو) 2007م ،لذات الكاتبةـ لكن أين أعثر على هاتين المجموعتين؟ ولأن النص مستقلا بذاته؛ آثرت الاكتفاء به، والاستعانة بما أودع فيه من الإحالات، والرموز، والفنتازيا، لتكون المهمة ـ بالنسبة لي ـ أكثر متعة وتشويقا.
أيها الأخوة مرحبا بكم في رحلة استكشافية لنص"اللثام"، أو لوحة اللثام من إبداع القاصة السعودية هدى المعجل.ومن العنوان الذي هو بوابة الولوج للنص ننطلق على بركة الله.
فاللّثام عن لسان العرب من مادة ( لثم ) : ( رَدُّ المرأَة قِناعَها على أَنفها وردُّ الرجل عمامَته على أَنفه ). يعني تغطية وإخفاء بعض معالم الوجه، وهكذا على الطريقة الكلاسيكية، ندرك بأن النص يدور في فلك أداة للحجب، والتغطية، والإبهام، والتعمية، وكل المرادفات الأخرى لـ "اللثام" من أقنعة ونحوها، وهذه إحالة أولى، أما الثانية؛ فتذهب بنا إلى الوجه مباشرة، كونه المعني باللثام، ثم تتداعى الإحالات بعد ذلك مع اصطحابنا المجاز، وغيره من الفنون البلاغية.ولن يجد القارئ نفسه متوقفا أمام هذا العنوان، كي يجد ذريعة ما تجعله يستبعد تصنيفه من نمنمات الموروث الديني أوالشعبي طالما كان الفن الأصيل والإبداع المسؤول؛ يقف منها موقف الاحترام والتبجيل، والمعجل محلها في طليعة الملتزمين، استنادا إلى تشكيلها الوجداني، وصياغتها الروحية.. وبناءً عليه فإن الفن لا ينظر إلى الممارسات الخاطئة؛ على أنها موروث يجب احترامه، مهما توغلت جذورها في أعماق التاريخ، كل المفاهيم التي ترهق الإنسان بقيودها التعسفية، وتحد من فعاليته الإبداعية وتفاعله تجاه الحياة..ليست تراثا يجب احترامه..وكل الموروث الذي يتعارض مع مقاصد النواميس الإلهية، وإعمار الأرض، والاسهام بما ينفع الناس، ويعزز من مهمة استخلاف الخالق لبني آدم على الأرض، ليست في التراث الذي يجب احترامه، بل إن الموروث الذي يتعارض مع مقاصد الشرع الحق لا بد من نقده وكشف "اللثام" عن بشاعته، وتعريته كباطل رديء؛ مقيت.
وحين نحاول أن نكتشف المكان والزمان في نص "اللثام" نجد بأن عناصره تتراوح بين : واد سحيق، أفق بعيد، السماء، عوالم أرحب، هذا فيما يخص المكان، بينما نكتشف العناصر الدالة على الزمان من خلال التفاصيل المنتشرة على مسرح النص وقد ظهرت بشكل فنتازي صرف، تشغل حيزا جغرافيا شاسعا، فهل يصح هنا أن نستخدم العبارة القديمة : ( الزيادة في المبنى؛ زيادة في المعنى )؟! وهل تلك الزيادة تتعارض مع زمكانية وأشراط القصة القصيرة؟... عفوا ... نحن بصدد الإحالة لمفردات القصة، التي قد تنقلنا زمنيا إلى نزول آدم أو يوم البعث، ومكانيا لأقصى حدود القطبين، لكنها تظل إحالة عارضة تستدعيها قوانين اللغة، دون أن تغادر بنا مسرحها الافتراضي الضيق.
ومن خلال البوابة الثانية للنص وهي عبارة : ( كنت مرغمة) نمضي في محاولة لاكتشاف هوية البطلة في هذه القصة، الأمر الذي دفعني لتجريب عدد من الشخوص، أولهم الكاتبة ذاتها، لكنني لم ألبث أن أتخلى عنها، عندما تعن لي قضايا أجدها خارج نطاق الاستطاعة، والتأثير، من قبل البطلة المقترحة, فرأيت أنه من الأسهل أن أفترض قيما موازية، فجربتُ (الحقيقة), و(العدالة), و(الفضيلة), بشكل مجرد، فتسير معي الأمور على مايرام، وإنما ليس إلى النهاية، وعندها شعرت بكثير من خيبة الأمل، لعجزي عن قراءة النص كما رغبت القاصة، وأمّلتْ منّي عندما أودعته رسائلها وبعثته إلى النخبة المُستهدفة من المتلقين، الذين لم أكن من ضمنهم ـ على ما يبدو ـ وهذا ما يجعلني آسف كثيرا..لكنني لم أقترف اليأس، وأعدت المحاولة وإنما بافتراضات أخرى، فعثرت على ما كنت أفتش عنه، أو بعضه.
لا يفترض أن تكون اللغة هي السلاح الوحيد بيد الكاتب، أو قدرته الفائقة على بناء النص وفق أقسى الشروط المبتكرة في عوالم السرد، فإلى جانب ما تقدم يجب أن يدرك هامش الحرية التي يتمتع بها كمبدع، ومنها : الشجاعة، والاستقلالية، والتجريب, ، والابتكار، والإضافة، وإلا فإن الفن لن يتزحزح من مكانه أحقابا، ويجيء "س" من الكتاب مشابها لـ "ع" ولَمَا كانت النصوص المضارعة لـ "اللثام" حافزا للبحث عن متعة القراءة التي تمنحنا آفاقا مدججة بالدهشة، وهذا ما أدركته تماما ونفذته القاصة هدى المعجل وهي تكتب اللثام.
تقول :
(كنت مرغمة ، حينما أمطت اللثام عن دمامل وقروح ونتوءات غائرة ، ونزعت العباءة عن غصنٍ تمايل في غنح.).
هنا (أماطتْ) لثاما يواري قبحا، و(نزعتْ) رداءا يغمر غصنا، والدمامل والقروح في الوجه يجب أن تُستر بعد العناية بها وتطهيرها،حتى لا تتلوث ويتفاقم شأنها فتزداد سوءً، لكن ماذا لو كان عكس ذلك ؟ أليس كشف النقاب عنها هو الاجراء الأول في سبيل مداواتها؟وفي المقابل لكي ينعم الغصن بضوء الشمس والهواء، يجب أن ينزع ما يحجب عنه أسباب اخضراره ونموه واستطالته، وليس هذا محل وقوفنا، وإنما .... لماذا كانت مرغمة حينما فعلت الإماطة والنزع؟ ومن هي هذه المرغمة، المضطرة، المدفوعة، المُحَرّضة؟ ليأتي الفعل هكذا تحت ضغط الإكراه والإرغام؟.أنه أيّ منا عندما يكون في موضع تكليف ، يضطره : للدفاع عن وطنه، والذود عن عرضه، وإجراء العملية الجراحية للمريض، وتأدية حقوق الناس، و.. و.. إلخ إلخ.. ولكن ليس للجميع، وإنما لمن يستشعر عظم هذه المسؤولية..فمتى يكون الكاتب مضطرا إلى ( الإماطة والنزع ) وكشف الزيف والباطل، وتعرية الواقع والتنبيه عن مكامن الخطر، ومصادر القبح؟ ..لا يكون مضطرا إلا إذا تمثّل الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه أمته، بل والإنسانية أجمع. وهذا هو الجانب الأقرب للإرغام الذي ورد في أول عبارة من النص.
ويبقى أن نجير هذا الفعل للمرأة الأنثى، الكاتبة ذاتها إذ لا تعارض حتى الآن.
وتستأنف:
(ثم هويت بهما في وادٍ سحيق ، ومشيت وأنفي ممتد للسماء . شاخصٌ بصري نحو أفق أبعد . وعوالم أرحب.).
يجب أن تحيلنا المفردات في عبارة: (ثم هويت بهما في وادٍ سحيق) إلى قوله تعالى ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ).
وهنا ندرك بأن ما ألقت به هو الباطل أو مرادفا له, ثم نتساءل من هي البطلة, أهي الريح؟.... ريح التغيير مثلا ؟ طالما كانت من محمولات ثقافتنا ( الريح ) التي تهوى بالباطل في مكان سحيق.
وتستطرد:
( بخماراتٍ أرجم من لدن نساء سود . دميمات . بأجساد مترهلة ، وشفاه غليظة.).
في مستهل هذا السطر مأزق لمن لا يحسن القراءة جيدا ، يتمثل في كلمة (أرجم) التي هي (أُرجَمُ) وعندها قد بفلت منه زمام المقصد الذي عنته الكاتبة، رغم وضوحه من خلال السياق، إلا أن ذلك احتمال وارد، والنساء الدميمات رمز للقبح المتمثل في الأفكار، والمعتقدات الباطلة،السائدة أيضا ..والخُمُر، كل وسيلة أو مندوحة لحجب الحقيقة..واستخدام القاصة لمفردة (أُرجم) يأتي للدلالة على مطابقة الفعل للواقع بما يرادفه من رشقٍ، وقذفٍ، وكلها تدل على الإيلام والنيل من المرجوم، بعكس الإلقاء، والمناولة، والإعطاء، والمدّ.
ثم تقول:
(على بعد أمتار منهن أطفال يتقافزون ، وآخرون يعبثون بدمية تمزق ثوبها فبدت عجيزتها أكبر مما ينبغي.).
لقد حاولت هنا أن أجد للقاصة ذريعة مناسبة حول استخدامها نعت القابعين حول الدميمات بـ (الأطفال) بدلا عن الصبية التي تناسبني ـ على الأقل ـ كقارئ، وأجدها منسجمة مع السياق، بغض النظر عما عنته القاصة، أما المندوحة: فإن الأطفال والصبية ، والصغار، يجمعهم ضيق الأفق، وقلة العلم ، وكثافة الجهل، وانعدام التجربة، وهو معنى ينطبق على فريق المحيطين بالأفكار الدهمائية، وحراس المعتقدات الباطلة، أما الفريق الثاني من الصبية فهم يتحلقون حول (دمية) الراقصة (يعبثون) في لهو ومرح وقد (تمزق ثوبها) وشفّ عن (عجيزتها) (فبدت) وكأنها (أكبر مما ينبغي)!!. وهذا شأن أزياء الرقص، التي اقترحها وصاغها الصبية أنفسهم إمعانا في اللهو، وإلا لما كانت دمية تستدعي عبثهم.
إذا كانت الكاتبة هدى المعجل محكومة بالمكون الاجتماعي الذي تنتمي إليه رؤية، وتفكيرا، وتفاعلا، فإنها في نص "اللثام" قد انعتقت وتجاوزت ذلك القيد المسيطر، مستخدمة الجسر الرمزي ـ بشقيه : الخاص والعام ؛ إلا أن العام أظهر ـ لنقل رسالتها بما تنطوي عليه من رصد للواقع المرير الذي يحيط بالمرأة في غالب المجتمع الشرقي، ولقد كانت في ذلك مرآة صادقة، وكاتبة شجاعة. ويحسن القول: إن من يقرأ اللثام في منآى عما يميز هذا الجنس الأدبي من توظيف الرمز، فإني لا آمن عليه الوقوع في مغبة الشطط، معتقدا بأن الكاتبة خلعت اللثام ونزعت العباءة وألقت بهما في وادٍ سحيق ، بما يمثلانه من رمز ثقافي ذوقي، أو دنيني، تعبدي، لا يهم أيا كان الانتماء لهذين الرمزين، طالما انطوت المسألة على خلاف فقهي مذهبي، وثقافي ذوقي.
فإذن لقد قَسَمَتْ الصبْية المحيطين بالنساء الدميمات إلى نصفين، نصف يتقافز في صخب ومرح، وأخر عاكف يلهو بالدمية التي انشق الثوب عن عجيزتها، وعلى افتراض أن النساء الدميمات كن حقيقة لا رمزا ، فإن الرجل الشرقي في هذه الحالة تعامل مع المرأة من هذين المنظورين الذين حددتهما القصة.. الأول : بأنها مخلوق غبي أحمق، ناقص عقل ودين، والجهل والحمق دمامة معنوية أكثر منها حسية، والثاني : أنها مجرد جسد مثير لغرائزه، ومحل إلهام للهوه ومتعته.
وقد نجح ذلك الرجل في جعل المرأة تؤمن بصواب هذه النظرة، خصوصا في مجتمعنا السعودي، إلى الحد الذي تجاهلتْ بأن بيت الزوجية من حقها عند طلاقها، شرعا وعدلا إلهيا جاء به النص القرآني في قوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ).
لا تخرجوهن من بيوتهن.. أمر إلهي..مهما جاء ذلك مرهونا بالعدة، أما الذي يحدث تماما، فإن الرجل إن طلق زوجته طلب منها أن تجمع ملابسها وتغادر البيت..فتمتثل طائعة مذعنة لما طُلب منها، تحت إلحاح ثقافة العرف السائد، لا بموجب الحكم الإلهي في هذه المسألة..والذي كان يجب أن يجمع عفشه ويغادر مصحوبا بالسلامة هو الزوج لا الزوجة.
وفي مثل هذه البيئة المكفهرة، العابسة، اليابسة، التي تحيط المرأة..ولد نص "اللثام" للكاتبة القديرة هدى المعجل.
تقول القاصة :
(فجأة . أنشأت أفواه الصغار تشتمني فيتساقط رذاذ أفواههم على صدري راسماً زهوراً تضوعت مسكاً معتقاً . وعنبراً ).
الصغار ... الذين هم رمز الجهل والتخلف أخذوا يشتمون البطلة.. التي كشفت اللثام عن ذلك الواقع البئيس، ونزعت رداءً أسود يحول دون انجلاء الحقيقة كما هي مشرئبة للنور والحياة، وطالما كان الصوت مرتفعا ونابيا فأن رذاذا سيتطاير ليقع على صدر البطلة كونها تقف حيالهم وجها لوجه، لكن الشتائم تتحول إلى زهر يفوح أريجا وشذى عطِرا.. وقد يكون للشتيمة معنى خاصا لدى القاصة بخلاف المتخيل العام، لكن مصده (الصغار) وقد علمنا سلفا حدود هذا الرمز..وتبقى الحقيقة ناصعة لا ينال من وهجها وبريقها صدأ أو قتام.
لكن مهلا ليس بعد!، إذ يمكننا بشيء من التكلف أن نعثر على معنى أبعد، في محاولة تجهد لاكتشاف الرمز، وهو كون الأنثى مسؤولة عن تكاثر الجنس البشري، طالما أردفت بقولها:
(ثم تقع الزهور على الأرض فألتقطها زهرة . زهرة . وأعبئ بها جيب سترتي الأيسر ثم الأيمن فالأعلى.)
فإذن: رذاذ الشتائم يقع على صدرها، فيغدو زهورا تتساقط على الأرض، ثم الرائحة العبقة ذات المصدرين : المسك ( ببياضه) والعنبر، (بسواده)، فما المعنى إذا لم نكن نحوم على تخومه؟ ولنتذكر بأن هذا يأتي ضمن محاولة للانقلاب والثورة على الإحالة الأقرب، ويلي الالتقاط فعل التعبئة في جيوب سترتها.. الأيسر ثم الأيمن فالأعلى، هكذا على التوالي!.. فهل لهذا الترتيب أدنى علاقة بفعل الحياة حينما تلد الناس في اليسار ؛من الضعف والضنك والمكابدة، ثم تسخر هذا السواد لخلق مجموعة تعمر اليمين، ومن هذا المجموع تبرز ثلة الجيب الأعلى، تكون الجيوب تبعا لها ؟. وهنا تعن قراءة متعددة لتلك الجيوب، يكون منها العلم، والثراء، والعقل، والحرية.ثم تمضي قائلة:
(ثوان معدودة . اكتشفت بعدها وجود النساء السود . الدميمات . بأجسادهن المترهلة ، وشفاههن الغليظة في جيب سترتي الأعلى ).
ولم لا؟ فقد تكون الأفكار والمعتقدات الفاعلة والمؤثرة سواء ماكان منها زاهيا براقا، أوقبيحا متقرحا، تصدر عن هذا الجيب العلوي في العادة .
ثم تستأنف:
(خفضت أنفي الشاخص للسماء نحو جيب سترتي الأعلى لأستطلع أمرهن . فتناثرت من فوق رأسي حبيبات حمراء. ارتعدت فرائصي ... - ماذا عساها أن تكون ؟..! رأيتها على قدمٍ واحدة . وبساق مثنية للأمام . تركض في سباق محموم . عنيف صوب جدار حجري عليه نقوش أثرية . وزخارف سحرية . ثم اختفت في عقر كوة أسفل الجدار.).
لا بد للقاصة من أن تعرض للمرجعية التاريخية لهذا الركام الثقافي الذي يرهق المرأة في هذا المجتمع، وهي تتبع سيلا من الاستفهامات التي ولجت في عمق الجدار ذي النقوش الأثرية والطلاسم السحرية..بما يحيل إليه من أرث ثقافي تشكل منذ القدم قريبا من قاعدة الجدار.
ثم :
(تبعتها . ونسيت النساء الدميمات . بأجسادهن المترهلة ، وشفاههن الغليظة . في جيب سترتي الأعلى . دنوت من الجدار . حمتُ حوله . بحثت عن كوّة أسفله . دنوت منه أكثر . فتطايرت النساء الدميمات ، بشفاههن الغليظة في وجهي . وأحاطت بي من كل جانب .. حاولت الفرار منهن . فلحقن بي. هرولت لمسافة أميال . فحلّقت النساء الدميمات فوق رأسي . مكوّنات غمامات حمر . حجبت عني مصدر الضوء ).
والأفكار المشتطة عن العدالة حينما تلبس إهاب القداسة فإن مراجعتها ونقدها أمر عسير لما يحيطها من أسوار وقيود.
وتمضي :
(وأنا أهرول . وأركض بشدة ، مرّ من أمامي طفل ظللته غمامة بيضاء . أضاءت ما حوله . وذهب الله بنوري . واشتدت الظلمة. مددت كفي لأقتبس منه نوراً . فصعد بغمامته للسماء واختفى . انتشرت الغمامة الحمراء من فوقي . وتمددت الظلمة من حولي . ومن تحتي فلم أعد أرى موضع قدمي . وأنا أهرول . وأركض . أركض بشدة هويت في وادٍ سحيقٍ امتلاء بالضوء ليسقط اللثام على دمامل وقروح . والعباءة على غصنٍ تمايل في غنجٍ ..!).
ومهما حاولتْ التشبت بأي أمل يعن لها؛ فإنها لن تنجح مهما مدت كفها لاقتباس النور..وليس أمامها من حل سوى النضال ومباشرة فك عقدها المستعصية بنفسها.
وختاما أرجو بهذا أن أكون قد أتحت فرصة لنص اللثام أن يتحدث بمكنوناته، مع إيماني القاطع بأن النص لا يمكن أن يقول حقيقته الكاملة، بحسب تودوروف.
شاكرا للكاتبة الموسوعية هدى فهد المعجل ما أتاحته لي من فرصة ، معتذرا عن أي قصور اعترى هذه الورقة التي خصصتها لنص ( اللثام).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

:: مدونة إيقاعات سحابة عابرة، جميع الحقوق محفوظة 2010، تعريب وتطوير مكتبة خالدية::