التفاصيل المحيطة بي تتحدث عن قادم يزرع الفرح والبهجة في أفئدتنا البيضاء..
أمي نقشت أكفا وأقداما بالحناء الذي ظلت تجمعه طيلة الأمس ..
الكل منهمك ليبدو أكثر أناقة وبهاءً..
كفي الصغيرة هي الأخرى ازدانت بالحناء..
وعلى قدمين حافيتين كان بصري مشدودا!!
وبرعم من الخيلاء أخذ ينبت في داخلي ..فأنا الآن بدأتُ أدرك معنى جديدا للدهشة.
ماتزال أمي منهمكة في خياطة رقعة لمِدرَعَتي القديمة البالية ..
إلا أن الأمل بثوب جديد يلح عليّ كلما تذكرت أبناء عمي الذين جلبت لهم ( كسوة) جديدة مبهرة ..
لقد رأيتها بنفسي قبل لحظات عندما اختلست زيارة لهم على حين غفلة..
فعدت بجرح عميق !! بدت معالمه واضحة ..فأخذت أمي تطمئنني وهي تغسل ملابسنا قائلة :ـ
سأعيده جديدا وكأنه جاء من السوق حالا..ـ لكن كسوتهم جديدة يا أمي وملونة ..
وهي مختلفة عن هذه الأسمال البالية..ـ
لا تستعجل يا بني..سوف ترى بعد أن (تذبل) وتعود ألوانها البراقة وكأنها جديدة!!ـ
حتى رائحتها يا أمي؟!!
ـ نعم حتى رائحتها ستعود إليها..!!
بقيت متسمرا بجانب تللك الصخرة التي نشرت فوقها مدرعتي أراقب حدوث المعجزة ..
وانقضى طرفا من النهار ولم تعد جديدة كالتي في الذهن ..
شممتها مئات المرات ..فكانت رائحتها لا تفوح عبقا كالكسوة الجديدة !!
فبدأت أبكي .. وأبكي....ولن يتوقف بكائي مالم تجلب لي كسوة جديدة ..
بكيت حتى جفت دموعي وشعرت بألم شديد في رأسي ..
وعفت الطعام ولم أشاركهم العشاء المقدم من الفول المسلوق ،
واكتفيت بحبات يسيرة منه..وأويت إلى قطعة الخيش العتيقة وأسلمت جفنين بريئين لرقاد عميق..
وما إن دخلتُ مرحلة السبات ..حتى نهض والدي بخفة شديدة وارتدى ملابس الخروج ..
وانسل تحت أستار الليل باتجاه سوق عيبان ..وهناك يمم شطر دكاكين البَزّ ، واختار لي منها أجملها وأبهاها..
وأفضلها وأغلاها..ثيابا من كل لون وأكسية من كل نوع ..مدرعة (سلك) لامعة..
وملحفة بيضاء من الكتان وكرتية بجيب أنيق ذات خطوط عمودية حمراء قانية ، وكوفية (مُسَيّمَة) بخيوط لامعة وكأنها التاج ..
وزاد فاشترى لي حذاء زنوبة بشراك أزرق كالسماء ..و(شدّتين طلاّعياتٌ أبو ديك)..وقفل راجعا قبل أن يولد نهار العيد..
ولج الكوخ بخفة ورشاقة كما غادره ، لأن لا يوقظ نائما ..نظر إليّ مبتسما فيما لا أزال أغط في نوم عميق..
استدار بهدوء ووضع كسوتي الأنيقة فوق شنطة حديدية جانب الكوخ ، مرتبة بعناية فائقة ، لتجلب انتباهي عندما افتح عينيّ على العيد البهيج..
علق غترته فوق (المسياع) وعاد الى سريره الخشبي، وسحب غطاء نومه ، وتدثر كالنائم تماما..
هنا استيقظت منتصبا أمام الشنطة الحديدية..ويا للهول !!لقد أختفت؟..
وفي الحال استدرت إلى أبي واطلقت عاصفة من البكاء المشوب بصراخ اللوعة والبؤس ..
نهض الجميع والذعر يتملكهم ..كانت أمي تمسكني وتشدني إليها وتتلو ماتيسر ..
فيما كنت أسألهم منتحبا عمن أخفى (كسوتي)؟.
فأخذت أمي تهدئ من روعي وتمسح على رأسي برفق وهي تردد..
حلم ياولدي!! ..حلم!!......................
اضاءة:(بواقعية ...وكما حدثت تماما)
اضاءة:(بواقعية ...وكما حدثت تماما)
0 التعليقات:
إرسال تعليق