(إلى عبده مسعود..معا لإيقاد الشموع في وجه العتمة!!)
..في سكون شديد..
كان يستند على الجدار مقابل السرير الذي أستلقي عليه داخل هذا الكوخ الحجري العتيق..
الهواء الذي يتسلل بحياء عبر المنفذ الوحيد الي الداخل كان يعابث بهدوء خيوطا تدلت من أخشاب السقف تركتها العناكب عنوة..
كدليل يؤكد مشاطرتي أحقية الوجود! ..
وفيما أنا أتأمل أخشاب السقف وقد بدت غير متسقة..
إنها توحي بتعرجات الحياة وتعقيداتها المختلفة..
وببطئ أخذت أنزل ببصري من نقطة التقاء السقف مع الطرف المقابل للجدار..
كنت كمن يبحث عن برغوث متنكر في لباس ذرة غبار ، فوق هذه النتوآت والمنخفضات المتنافرة ،
وقد أضفى عليها ضوء الفانوس الشاحب مزيدا من الريبة والغموض..
مايزال منتصبا هناك ببرود شديد..
رمقته قائلا:_ آه كم أنا حاقد عليك أيها الخبيث!!
(إن ملامحك الباردة لا تستطيع إخفاء دمويتك..ووحشيتك أيها القاتل القميئ..)
مازلت مستلقيا كالمومياء المتكلسة من آلاف السنين.. وعشرات الإستفهامات تتقافز في كل الإتجاهات بحثا عن إجابة مقنعة!!..
تساءلت : هل شاهد أحد ما حدث؟؟...وأردفت : لا يهم إن كان أحد قد لمحني ..
ويكفي أن أكون الشاهد الوحيد..مايزال قابعا الي جواري تفوح منه رائحة الأغلال الصدئة..قلت :
_أيها المجرم.. هل كشفت لي عن سيرتك الذاتية؟؟..
ترى كم من الأشخاص سيجدون أنفسهم متورطين لو رويت لنا فصلا من تاريخك الدموي الطويل؟
..المفعم بالقتل..والإغتيال.. حتما لم تكن بمفردك..لابد أن يقف خلفك من يحرضك!! إنهم يمطرونك بالثناء..والمديح..
قالوا : بأنك الأخ والصديق في الملمات والشدائد..وحين تتداعى الأعداء..
قالوا : أنه لا يشعر بالذل والهوان من كنت إلي جانبه!! بئسما وصفوك به أيها الغادر اللعين كم أكرهك!!..
هنا ألقيت نظرة واهنة نحوالفانوس المشدود إلى وتد في الجهة اليسرى من الجدار لأجده في الرمق الأخير!!..
لقد نضب زيته تماما فقررت أن أدعه ليعيش لحظات الرمق الأخير..وإلى جانبه علقت ملابس تبدو جديدة زاهية..
وحزمة من الضوء تكتسح الكوخ..وجلبة شديدة لم أتبين سرها..!!
***
قال لي ضابط التحقيق وهو يفتح القيد عن يدي :
هل توقع أم تبصم؟..أجبت: أوقع..أشار إلى الرقيب الجالس خلف الطاولة بقراءة الأسئلة وإجوبتي عليها..
ثم أبصم على كل إجابة مستقلة..
س: ...........................؟؟ج :
لا أعرف عنه شيئا سوى أنه جاء بصحبة أحد القادمين من خلف الجبال الشرقية حيث ماتزال هناك مجتمعات تعيش الماضي السحيق بما فيه من الهمجية المقيتة..وحب الإنتقام..والتعطش إلى الدماء..ومن البديهي أنه قد شارك في سفك الدماء..
فهذا كل ما أعرفه بالضبط..
س:....................... ..؟؟ج :
نعم...كنت كغيري من الناس أبتهج بهذه المناسبة..كان مكتوبا!! ومقدرا!!.. ولامفر منه!!..
لقد كان دون قصد..ولم أكن متعمدا..ولم أدرك أنه على الوضع الآلي..(الشريط) فتزامن سقوط (جميلة) مع سقوط بندقية الرشاش من يدي!!..
***
0 التعليقات:
إرسال تعليق