أمضى معظم الوقت يجمع شظاياه..محاولا إعادة تشكيلها كما يفعل بعد كل هزيمة ..
لم تكن في ذات المكان أوالتوقيت..لقد سخرت منه هذه المرة..
واستعدت عليه كل شيء من حوله ليشاطرها السخرية!!انتزع نفسه بمشقة من براثن التداعيات الموجعة ونهض باتجاه المرآة متأملا وجهه الشاحب وقد سطرت على صفحته الأيام سيرتها الذاتية بإسهاب شديد..
زاد اقترابا من المرآة حتى اصطدم بها..تأمل صورته وكأنه يراها للمرة الأولى..
عاد أدراجه إلى حيث يغمد جسده الواهن بين أكداس الكتب والأوراق ..
مد يده وتناول ورقة وكتب:(ليتك تعلمين كم اشتقت لك!!) توقف ثم أخذ يكررها مفردة مفردة .ليتك..تعلمين..كم.. اشتقت ..لك..
مكث مليا يردد هذه العبارة ثم انطلق ضاحكا !! كم هي سخيفة وباردة هذه الجملة المنتهكة..ولتكن هكذا.. (فسرت عبارتك على نحو منطقي ..
وفهمت أنك ستأتين هذا المساء فأعلنت احاسيسي استنفارا..
واصطفت مشاعري جوقة إنشاد تترنم من الألحان بأعذبها نغما..فلم تأتي!!)
رفع القلم عن الورقة وأخذ يتساءل:أليس ذلك غريبا؟ ما الذي جعلها تسخر مني على هذا النحو المزري؟ ألعله وجهي؟!!
لا..لا..فلم يكن وجهي حاضرا عندما كنا نلتقي أطراف الحقل..وجهي دائما خارج اللعبة بالتأكيد!! وفيما هو يتأرجح بين التساؤلات والإجابات.. كان يجتاز الطريق باتجاه الحقل المجاور تحت أستار العتمة..
حيث أمضى ما بقي في جعبة الليل من الوقت والهموم..يتدثر ذكريات طوتها الأيام ..
انبلج ضوء الصبح وما زال مرتقبا يئن من ألم السخرية !!زحف نحو الظل فيما كان الوقت يقترب من التاسعة صباحا,,
فتلاشت كل التفاصيل أمام ناظريه تماما.. وفجأة..!شعر أن طرقا خفيفا يتناهى إلى مسمعه ..صوت قادم من بعيد ..
كان وقع أقدامها فعلا..لم يكن يعلم إنها كانت خدعة مرتبة..لتفاجئه بقدومها على حين غرة.. وقفت على بعد خطوات ..
بينما هو شاخص نحوها ..أما هي فكانت شاخصة نحو السماء!!هنالك فقد القدرة على النطق..
وشل تفكيره لوهلة وكأنها الدهر!! لقدهربت لغته وتركته أعزلا..لم يجد عبارة ترحيب أو ابتهاج !!
جمع ما أمكنه من شظايا نفسه وبادرها : ـ كنُتُ هنا قبل خمسة عشر عاما!ـ وكذلك أنا ..
فهل تجدني قد تغيرت؟
-نعم ..نعم لقد ازددت جمالا ورونقا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق