..لغروب الشمس هوية أخرى ... غير أن المدينة آخذة في التواري تحت رداء المساء...الصدأ يلف حواف الأرصفة ويسلب الأشياء ملامحها الأصلية...أعمدة النور تهاوت مستلقية بعد نهار حافل بالوقوف الممل... وإلى جانبها ترسو عربات الأجرة.. مددت يدي وحشرتها في جيب سترة الرجل الواقف إلى جانبي... انتزعت علبة السجائر وأشعلت لفافة...مددت يدي لإعادتها -دونما التفات-فلم يعد الرجل إلى جانبي ..لقد تكوم في الجوار داخل صندوق مهترئ كان مخصصا للنفايات ذات حين.. وهاهو يرتجف من شدة الخوف فيما كان يتوغل متاواريا داخل الصندوق.. الحياة تدب بوهن في جسد الشارع المقابل.. كانت الجوقه الموسيقيه تتقدم طابور العرض..يسير خلفها حملة الأعلام فالأرتال تلو الأرتال..تخطو وفق الإيقاعات الصادرة من آلات الجوقة العسكرية..ويأخذ الوقت في المضي ومازالت تتعاقب الأرتال ... وإلى جانبي كان الرجل يرتجف داخل صندوق النفايات... فيما كانت يدي اليمنى ماتزال مرفوعة لأداء التحية العسكرية كلما سمعت إيعاز(شماااااااااال أنظر).. العتمة تحجب الملامح.. والحشود تتدفق..تمر ، دون توقف وكأنه لانهاية لها.. الرجل الى جانبي نزع سترته..لفها بإحكام ثم ألقاها باتجاه الرتل العابر.. ماتزال يدي اليمنى في وضع التحية العسكرية .. (لا أدري لماذا فقدت السيطرة على يميني الى هذا الحد الإستثنائي..؟) الرجل الى جانبي مستمرا في نزع ملابسه القطعة تلو الأخرى.. يلفها ..يكورها.. يلقيها باتجاه الرتل .. لم ألبث حتى أخذ الرصيف يهتزتحت قدمي..ويعاود الأهتزاز بشكل أعنف من سابقه.. الحروف بدأت تتألق في اللوحات الدعائية التي تعلو واجهات الأسواق .. مع إهتزاز صاخب لاحدود له .. الحروف ماتزال تتقاطر عائدة الى أماكنها السابقة في تناغم واضح.. الرجل الى جانبي لم يعد يقذف الرتل بملابسه وتوقعت أنه أتى عليها بالكامل ، وعندما اقتربت منه لمعرفة السبب وجدته قد اتخذ قرارا بتغيير استراتيجيته لعدم فعاليتها.. لقد فارق الحياة...!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق