هذا عنوان لقصة كتبت أساسا لقسم التسلية والترفيه ..حظيت بمتابعة من قبل القراء المحليين وحققت نجاحا كبيرا فيما حرم من الإستمتاع بأحداثها الشيقة والطريفة أولائك الذين لا يحسنون اللهجة المحلية ..وعند قراءتي لها لفت نظري اتكاء (قحم امعماية) على توظيف العنصر التراثي والبيئي كمحور أساسي ينمو حوله الحدث (السالفة)....ولقد تم السرد بلهجة فيفاء الخالصة ، وهي من قبل (قحم امعماية) الذي شارك بحكايات أخرى من هذا الجنس القصصي.. كلمة (قحم ) يقابلها الشيخ المسن و(امعماية) تعني الضباب..فالمعنى يكون (شيخ الضباب) وهو شخصية اسطورية تتناقلها الأجيال في جبال فيفاء تشبه (سانتا كلوز ) في الأساطير الأخرى ولكنه أي (قحم امعماية) أو شيخ الضباب لا يأتي محملا بالهدايا في الأعياد كما هو هناك .. بل يستقل الضباب الكثيف كالشبح ليخيف الأطفال ويلزمهم البقاء تحت أنظار الوالدين فلا يمعنون في الإبتعاد تحت جنح الضباب فيتعرضون لماخطر العبث واللهو بعيدا عن رقابة الأبوين وهو الهدف الذي ولدت هذه الشخصية من أجله.. شيخ الضباب(قحم امعماية) هو الرواي وبطل القصة التي تدور أحداثها في جبال فيفاء الواقعة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية ..وتتلخص في أن طائرة سيدة البيت الأبيض هيلاري كلنتون .. تعرضت للهبوط الإضطراري إثر خلل فني مفاجئ بينما كانت تعبر أجواء الشرق الأوسط بالقرب من (عيبان )!!! حيث تصادف وجود البطل في مسرح الحدث ..ليستضيفها في منزله العتيق الذي يقطنه مع والدته المسنّة والتي ما تزال تعيش تفاصيل القرن التاسع عشر.. مستخدما حركة الفوكس للإنتقال بين واقعين مختلفين تماما كتنيك جديد أدخله على هذا اللون السردي الذي يعرف محليا بـ (السالفة) ..وفي الحقيقة أن هذه البيئة هي المكان الأول لولادة (السالفة) الأم الحقيقية للفن السردي بكل أجناسه المختلفة ..فالسالفة الشعبية تقوم بتطويع الأحداث وفق رؤية بسيطة وغير معقدة في منأى عن منطَقتها .. أو إلباسها رداء الواقعية .. ولسنا هنا لنقدها من هذه الناحية بمقدار ما نحن نبحث عن تأثير الملامح البيئية في الإرتقاء بالسالفة ..أو بمعنى آخر توظيف العناصر البيئية لخدمة العمل القصصي .. كمرتكز أساسي وبدعم من خيال الراوي كعنصر لاحق.. ثم يليه الحدث .. ليخرج في سياق لهجي ينتمي الى تلك البيئة ..وعندما نطرح سؤالين:..أولهما ما الفائدة من تكريسنا لقراءة السوالف والسير الشعبية طالما أنها تظل ترواح في مكانها منذ الأزل دون أن يسهم النقد في ارتقائها ؟؟ وهل في ذلك خدمة نقدية تتوجه للقصة والرواية الحديثة؟؟فيكون جوابي على السؤال الأول ..لا تقترب هذه القصة من( السالفة ) الكلاسكية إلاّ في القالب أوالبوتقة (اللهجة) ..وتظل محاولة جديدة أو طورا متقدما للسالفة الشعبية.. وكأنها خرجت مستفيدة من الأحكام النقدية السابقة.. أما الجواب على السؤال الثاني .. فأكيد بأن السرد سيستفيد من أي إضاءة نقدية تتوغل باتجاه بيئاته المختلفة..وتدرس تأثيراتها على الحدث قوة وضعفا.. ونحن هنا نتوجه نحو إيجاد معادلة كي نجعلها منطلقا للرؤية النقدية للسرد..(عناصر البيئة) +(حدث +خيال قصصي)=قصة ..بغض النظر عن القيم الجمالية التي تتفاوت وتتباين من فنان لآخرولنستعرض بعضا من تلك العناصر حسب ظهورها في النص.. أولها اللهجة الدارجة في خصوصيتها المعروفة أوردتها حتى لا يعتقد البعض أنها غير ذلك كونها الوعاء العام الذي قدمت فيه القصة..ثم يأتي بعدها :فن الغناء الشعبيالذي يطل من خلال (التوليش )..من الوالش ..التأوه طربا في نبرة صوت عالية عند رؤية السحب الممطرة أو سماع لحن جميل يسيل رقة وعذوبة وتأتي في صيغة التأوه.. والتوليش كلمة منحوتة من (أرى ) و (الشيم) وبحسب اللهجة قلبت الألف واوا فأصبحت (ورى) والشيم ما نشتامه ونبصر به يعن لنا عن بعد دون أن نتبين كافة ملامحة ..نجد عنصر التوليش في قوله:((وبينما انا على هذا الحال سمعت صوت الرعد البعيد والتفت اليه واذا بسحابة سوداء تلمع الشمس من بين طياتها ولشت توليشه لم يولشها مخلوق ليس لقوتها فهناك مولشين كثار ولكن لنغمتها التي امتزج فيها الترحيب بالمطر مع الرهبة من الرعد والخوف من عواقبه))الفن المعماري التقليديويظهر هذا الملمح من خلال وصفه للمنزل الذي استقبلت فيه سيدة البيت الأبيض من قبل والدته ..يقول : (دخلن اها والوالده امبيت دارتين ومشراحن قالن لها امي نطلع نتشبح من عل امعفه قالت ايوه .)والمعنى : فاصطحبتها إلي داخل الدار المكون من طابقين وملحق صغير يعرف (بالمشراح) حيث يمكنها الإستمتاع بمناظر واسعة ممتدة توفرها لها الشرفة المطلة على الحقول والمدرجات الزراعية.. الدارة : بناء دائري مبني بالحجر وهو شكل تراثي محلي يمتاز بعدد من الخصائص والسمات التي تجعله مستقلا بهوية خاصة.. ويعتبر هذا الشكل (دارتين ومشراحن) هو السائد محليا ..وهو عنصر هام بين عناصر البئة المختلفة..السلطة داخل القبيلة لهذا المجتمع نظامه الدقيق الذي يسير حياته وفق ضوابط ترعى مصالحه ويقف على حمايتها ورعايتها شيخ القبيلة بمعاونة أفراد آخرون ..وفي هذا المجتمع يكون رأس الهرم فيها هو شيخ القبيلة (الشيخ) كأعلى سلطة في هذه البيئة..ولذلك توجهه الأم بالذهاب إلى الشيخ والتبليغ عن هذه الحالة كواحدة من ضمن الوقوعات التي يجب أن تعرض على تلك السلطة القبلية..انظر إلى قوله: (انا انشر نح امشيخ واروي لو ؟)يسأل والدته ( هل أذهب الى الشيخ وأخبره تفاصيل ما حدث؟؟) لقد كان مترددا وكأنه يطلب المشورة وتأكيد طلبها باتخاذ هذا الإجراء (التبليغ) أروي لو..الأطباق الفلكلورية المحلية..متعددة وعلى رأسها ( العصيدة والمرق ) وقد ظلت محافظة على الصدارة بين عموم الأطباق القليلة في هذه البيئة ..كأبرز طبق يدل على كرم الضيافة والمبالغة في العناية بالضيف ..يقول:((قلت كيف اقطع املحمه ومذنتي ميد نعشي ضيفتنا ؟قالن ميد انشدها , نشدتها قالن امي وقحوم قلت مه قالن امره تيا قالن لها بنحنذ وايل مها حقره فيها لها بعيشه ومرقن قلت ايه وهيه ومذا ادراها بذي الشغل ؟ قالن مادريت))المعنى: يتوقف تقطيع لحم الذبيحة على نوعية الأطباق واختلافها وكيفية طهيها وتقديمها .. فالتقطيع مرهون هنا بالوجبة التي سيقدمها (قحم امعماية ) احتفاء بضيفته المميزة التي فضلت أن يكون العشاء (عيشة ومرقن)!!مع الحنيذ.. وهو طبق من الشهرة بحيث لا يخفى .. وتتعجب الوالدة ما الذي أدرى هذه الضيفة الأمريكية بأدق الأطباق خصوصية في هذه البيئة المنغلقة ..هذا الحوار له مدلول مختلف ويسير في سياق آخر لعلنا تطرقنا اليه في عنوان آخر ..
6ـ الأزياء والحلي الفلوكلورية..اللباس بتفاصيله الدقيقة لدى المرأة الفيفية أواخر القرن الماضي ويمثله الإزار ( الجلجلاني) لعله نسبة الى جلجلان في الحبشة إن لم تخني الذاكرة ..شأنه شأن البرد (الدنكلي) ..أما الصدرة ، والمحَنّة ..فتتخذ من الدمس (الدمقس) نجد ذلك في قولة:ـ(اتفسر لهيلاري الا واها بثوبن جلجلانين وستدره لكن شعرها كاشف وعلاهو عجاوه بعيثرانن وايديها فيهن مسكن وختمن فضه )..وكأنه رسم لوحة للمرأة الفيفية في الحقبة الماضية منتصف السبعينات الميلادية وقد سقطت المحنة من النص ..غير أن (عكاوة) العبيثران ولـ (مِسَك) وهي أساور من الفضة تزين المعصم ..والمعنى : أن الأم تفحصت هيلاري متأملة ذلك التغيير الذي طرأ عليها عندما ارتدت اللباس الشعبي القديم..7ـ الرقص (الشارقي)..هو اللون الوحيد من الألوان الفلكلورية يصاحبه الإيقاع .. الذي تخلو منه الرقصات الأخرى..ويسمى أيضا (المثلوث) نسبة لعدد الراقصين الذي يؤدونه وعادة ما يكونون ثلاثة..تصاحبهم أنغام (الشبابة ) الساحرة ..(تشبح هيلاري لارابها وفشين فيهنه وقامن تشورق)..8ـ أغاني المرأة !!ألحان كثيرة في التراث الفيفي تختص بالمرأة فحسب إي لا يغنيها الرجال ومنها هذا الوزن المبدوء بـ لا...كما هو في الشطرين الذين أوردها..وغناؤها في كثير من الأحيان يكون أثناء أدائها لبعض الأعمال التي تختص بها المرأة كطحن الحبوب أو (التدريه) بوليدها ونحو ذلك ليس هذا فقط فقد يغنين مجتمعات ..(لا حنايتي في الخبت داجي ورقهالا واسري لها بامليل واغوى طرقها)9ـ الأسلوب الزراعي..هنا نجد الأسلوب الزراعي أولنقل لمحات عنه قد تكون غير كافية لكنها تحمل الينا فكرة مبسطة عن بعض أعمال حراثة الأرض وتمهيدها وكيف أن المرأة كانت تعمل جنبا إلى جنب مع زوجها في الحقل تساعده وتؤازه في كافة المراحل التي تتطلبها زراعة الأرض وإلى أن يتم جمع المحاصيل ..بل ويستمر دورها إلي مابعده..يقول:ـ(قالت مره بنا امخن مع ابو القحم واها يعمل على الحياف الله يرحموسمعت امحزبه حل حكن في شين وجنبن)هنا خطأ في ترتيب هذه الأعمال ..فلا (يمخن) أثناء (عمل) الحياف ..والمخن .. هو نزع بعض شتلات الذرة الصغيرة حتى لا تنازع بعضها بعضا فيتعثر نموها ..فيما يعرف بـ ( الرزوة) وهي البذور.. التي يلقى بها في الأتلام ولعل من يذرأها زاد في كمية البذر لينزعوا مازاد عن المقدار الصحيح بعد الإنبات فيما يسمى بـ (المخين) يمخنه مخنا..أما (العمل) وهو حراثة المدرج فعمل لا يتصاحب والمخن فله موضعه ووقته لكن الكاتب هنا تجاوز تلك التفاصيل..وفي مكان آخر يقول:ـ(انه يعمل حيافهم ويفرسها ويغني الحرار المتنادره في حيافهم يوقل القمر التي تتفالت في حيافهم )العمل ألمحنا له أعلاه.. و(يفرسها) أصلها.. يضرسها فقلبت الضاد فاء كما هو معروف في بعض لهجة فيفاء ..والتضريس لون من ألوان العناية بالأرض وتهذيبها بما يشبه المسحاة (مفرس) ..و(يغني الحرار).. الحرة جدار المدرج الزراعي ..(أغناه )فصيحة واضحة.. وتهذيب الحرار يعد من أرقى الأدلة على العناية والإهتمام بالحقل الزراعي ويعد من( يغني الحرار) في فيفاء مثالا رائعا للإنسان النشيط والمزارع الحقيقي الذي يشار له بالبنان ويعد مضربا للمثل في حسن ترتيبه وحبه الأكيد لماله ..و(الوَقَلُ)الحجارة الصغيرة ولها أسماء أخرى تجمع حتى لا ثؤثر على سير المحراث كشكل من أشكال تنقية التربة الزراعية..10ـ نظام الرعي ..الدابة (المُبَوّحَةُ) التي تنفش في الزرع ..فالمجتمع الزاعي في هذه البيئة غاية في التنظيم إذ تكون كافة المواشي فيه مربوطة في حضائرها ولا تخرج لتتلف الزرع والكلأ ..ولهذا تعتبر الدابة الطليقة (مبوحة) مستبيحة الحمى تبوح فيه :تستبيحه.. وهذا المزارع الغاضب الذي يهدد بنحر هذه الدابة التي لم تكن سوى الطائرة .. والذي يعنينا هو الغضب الذي أبداه .. لقد عشت فترة مليئة بالقصص المفجعة كانت أسبابها استباحة الماشية لحقل زراعي على حين غفلة من الجانبين ..وقد يوجد عاقب لكل حي ..حتى يحترم الجميع أنظمة المجتمع الزراعي الصارمة..يقول:ـ (ويهاري يقول منذها لو تيا الدابه بوحن علانا ويحلف ويولف لوما ياتي راعيها ويذبحها امرجل ميد يذبح امطياره مهبا بوحن علاهو !!!!)11ـ التداوي والإستشفاء..لم يكن أمام ذلك المجتمع من وسائل أخرى للعلاج سوى النباتات الطبية التي يزخر بها الجبل إلى جانب الكي وهو آخر العلاج وأنجعه ربما!! يسمونه (مياسم) وكوي ..ويتعالجون في غالب الأدواء بالكي ..(قالن ميد نكويها وبها حايه ان شاءالله)ويقول :ـ(اوشينا على شريمن حجا قها شرهكونها امي قدر 11 كويه)وهناك فعلا من يتداوى بعشرين كية في مرة واحدة..كانت هذه لمحة سريعة على العناصر البيئية التي نثرها القاص خلال نصه وهي العامل الهام الذي جعل من هذه القصة لوحة جاذبة .. استطاع (قحم امعماية ) من خلالها أن يلفت أنظار حشد من المتابعين .. بل لقد نبهني بعض الأخوة أنها قد انتشرت عن طريق البلوتوث ..في فيفاء وخارجها ..ولاقت رواجا منقطعا في الأوساط الشبية.. باسمكم جميعا أتوجه بالشكر الجزيل لـ (قحم امعماية) لإتاحته الفرصة لي كي أطوف في هذه القصة الجميلة .. كما لا يفوتني باسمي شخصيا أن أعتذر إليه عن إي تقصير حصل وأدعوه للتعليق ..طيب الله جميع أوقاتكم..رابط القصة
0 التعليقات:
إرسال تعليق