لقد جاء العنوان الذي وضعه اليتيم لحكايته هذه( إكتفيت باحتقاره واكتفى بطعني ) أتى متلائما وهذا الفن السردي الذي يختلف عن القصة القصيرة.. التي لايجهل أحد منا معاييرها المختلفة ولا مانع لدي من إلقاء المزيد من الضوء على الحكاية ومكانتها ضمن المنظومة السردية..رغم أن ذلك يعد من نافلة القول..سيما والمكان يضج بالأدباء والنقاد كما يحفل بسواهم من راغبي الإستزادة من الأدب والمعرفة فإذن لا بأس بهذا..يقال إن القصة لا تخلو من الحكاية أو الحدوثة.. بينما تخلو الحكاية من تقنية القصة القصيرة.. هذا إجمالا دون تفصيل.. وفي الوقت الذي يشتمل فيه النص الحكائي على كثير من الأجناس السردية كما هوعند (ايكو) و(جنيت) و(شيفر) إلا أنه يبقى سردا تسجيليا يدور حول الحدث .. وهوالأقرب للحقيقة على أرض الواقع .. كما يمكننا القول: بأن الحكاية تنهض على مشاهد مبعوثة أو لنقل مستدعاة من الذاكرة للشخصيات والأحداث السالفة..وتكمن أهميتها فيما تحمله من رصيد واقعي وحقيقي..الأمر الذي جعلها موئلا ثرا ومصدرا خصبا للدراسات النقدية المعاصرة .. وحتى لا أذهب بالقراء بعيدا عن المقصد الرئيس.. أكتفي بالتوطئة أعلاه فأقول: إن عتبة الولوج لهذا النص الحكائي -كما مربنا- هو: إكتفيت باحتقاره واكتفى بطعني.. لافتة للإستدال ليس غير ..وهو خارج النص دالا على مضمونه.. ولهذا لما كانت القصة القصيرة ذات خصائص تمتاز عن الحكاية.. فقد اعتبر العنوان مع النص وحدة متجانسة يزيد وينقص من قيمتها الفنية..لكنه في الحكاية لا تأثير له.. قلت فيما مر بنا إن الحكاية تحمل بين ثناياها العديد من الخصائص المحفزة على دراستها..لاحتوائها على رصيد من الحقائق تتعاور (الحدث) و(الشخوص)و(العاطفة)..فإذا لم تجتمع صدقية كافة هذه العناصر دفعة واحدة.. فإنها لاتخلو من حقيقة صادقة.وللتطبيق كان اختيارنا لحكاية (اليتيم)..فالعاطفة تبرز بوضوح وجلاء وكأنه بطلها أو أوعايشها بأي شكل من الأشكال.. فكان لها هذا التأثير الداخلي لدرجة الإندماج والإستغراق الذي يتجسد من خلال ملامح (الوجه) لكافة الشخوص المستدعاة من الذاكرة.. ولأن الوجه هو ذروة الأنسان ومحمل السمة والصورة المميزة له..ومصدر الإنفعالات..ومنه نعرف المسرور والمحزون والمنتصر والمهزوم وفيه الجمال والقبح..وغالب الجوارح .. فاليتيم لا يرى من شخوص حكايته إلا وجوههم..!! ولا تستوقفه تفاصيل أخرى ذلك لأنه تحت تأثير الإنفعال كل الشخوص مختصرة في الوجوه!! فلا وجود للطول والقصر ولون البشرة.. والعلامات الفارقة كالشعر والأنف والفم والعينين وما أشبه ذلك لاشيئ سوى الملامح!! تعالوا بنا لنرصد سويا حيث يستهل الحكاية بقوله:*أشعر أن دهورا قد انقضت منذ أن رأيت (وجهك) في تلك الأمسية..*كان (وجها) ممزقا.. لقد حرصت على أن تبدو جميلا تلك الليلة..*لكن شيئا في نفسي رآك ممزقا متشظيا متفرق(القسمات) كالبغضاء..*شعرت بشيئ من الإنسانية يغزو (ملامحك)..*ذات مناسبة شعرت (بصورتك) تتمزق داخلي..*تماما كذلك التمزق الذي شعرت به لحظة رأيت (وجهك) في تلك المناسبة..*ديوان المتنبي على الطاولة يريد أن يخرح جميع هجائياته.. ويصفع بها وجهي..*لكنها تكون تكون قد عملت معروفا إن لم تنظر إلي (وجهي)..* الذي فقد في تلك الساعة كل شيئ يملكه (الوجه) البشري..) تلك كانت الجملة الأخيرة وختام الحكاية..حتى عندما وقف أمام المرآه وإن لم يرد ذكر للوجه إلا إن هذه الإشارة تفيد أنه كان ينظر لوجهه *وقفت أمام المرآة تحطمت أمامي شعرت ببصق يتجه (صوبي).. ورغم قصر النص إلا أن هذا الحشد من الوجوه لم تكن إلا لثلاثة شخوص فحسب..
ولانلمح التضاد كالكسب والخسارة والإنتصار فتلك سمات القصة لا الحكاية..ختاما قد يرى البعض أنه ليس من الإنصاف إجتزاء هذه المفردة ودراسة مدلولها دون السياق العام وتخطي الصورالجمالية التي حفلت بها حكاية اليتيم لكني لا أغفل الإشادة بها عموما..كنموذج متقن لفن الحكاية ..أردت من خلاله ابراز الجانب النفسي الذي تضمنه النص دون قصد أوافتعال من جانب سارده مدار الحكاية، كديل قاطع على تضمن الحكاية حقائق صادقة وواقعية..ولا أنسى أن أشير بأنه ليس بمقدورنا أن نحمل أدوات نقد القصة القصيرة ونلقيها على كاهل الحكاية التي تختلف عنها كما رأينا.. بل لاشك أن في ذلك جهل عظيم بهذا اللون السردي المعروف.. فكيف نلزمه جادة ومعايير القصة القصيرة.. لما في ذلك من عبث بالذائقة..والإبداع.. وخلط وتزيف يكون ضحيته المتلقي بالدرجة الأولى.. ثم يأتي المبدع نفسه الضحية الثانية حيث يفاجأ بنصوصه تقرأ من اليسار فيصاب بالإحباط ولكن ليطمئن اليتيم وكل المبدعين هنا فأنتم لاتكتبون على رمال الشاطئ.. إنكم تكتبون لقراء يعون ما تقولون
__________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق