إيقاعات سحابة   ..إيقاعات سحابة عابرة...   .. لهواة التذحيج : ـ هل سبق أن ذُحِّجَ بك من قبل؟ ـ نحن على استعداد تام للتذحيج بك وفق إمكانيات هائلة سُخّرت من أجل عملائنا الكرام، فقط اتصل على هواتفنا المبينة في هذا الإعلان واستمتع بتذحيجة العمر.   ....إيقاعات سحابة عابرة   ..نرحب بالكتابة لغة الياسمين ضيفة إيقاعات سحابة عابرة في اللقاء الذي سينشر قريبا بحول الله .   . إيقاعات سحابة عابرة...    ..   إيقاعات سحابة عابرة    ..   إيقاعات سحابة عابرة   .. ترحب بزوارها الكرام.. حللتم أهلا ونزلتم سهلا...  إيقاعات سحابة عابرة      إيقاعات سحابة عابرة    للتذحيج العصري إعلاناتنا . ــ هل سئمت أجدادك وترغب استبدالهم بكبسة زر ؟ نحن نستشعر معاناتك دوما .. فوضعنا خبرتنا في مجال التذحيج بين يدي عملائنا عبر القارات . اتصل بنا الآن لتحصل على خدمة إضافية . ...
Loading...

قراءة في كتاب "الحلقة المفقودة" للرفاعي

الحمد لله وحده وصلى الله من لانبي بعده أما بعد :
فهاهو السفر الذي بحثت عنه طويلا لتيقني أنه يكشف الحقيقة التي حاول الرفاعي أن يخفيها عني طيلة السنوات الماضية دون مبرر (نقي) غير ما سترونه عيانا ، بيانا ، شاهرا ، ظاهرا ، من خلال هذا العرض الذي سأجمل فيه القضايا التالية:أولها: احتواء هذا المصنَّف على ما ألفته وفسحته(ولم أنشره) وما حررته (ولم أفسحه ) وما قررته (في دروسي عليه ) ، وما صورته ونشرته (صحفيا)..دون أن يشير إليه الرفاعي حسبما تقتضيه الأمانة العلمية ..ثانيها : تزويره وتدليسه المتعمد في نقله من أبحاثي ودروسي التي كنت ألقيها في مجلسه على مدار سنوات عديدة..ثالثها : تزويره وتدليسه للتاريخ والجغرافيا ..رابعها : بطلان استنتاجاته جملة وتفصيلا ..كونها مبنية على مزاعم وأكاذيب وتخرصات لا تصح البتة .. هكذا أراد الرفاعي أن يُمَثِّل بمشروعي الذي أنفقتُ فيه جل سنوات عمري ، ولكن الله يأبى إلا أن يحق الحق ويدحر الباطل ..لقد حاول أن يتصدى له ـ وتوهم شيئا كهذا ـ غير أنه كشف جهله المريع بمشروعي البحثي وذهب يخبط فيه خبط عشواء ويثرر ويهرف بما لايعرف..ولولا أمانة العلم لما تناولت كتابه هذا ولما صرفت فيه لحظة واحدة لتهافته الشديد ، منهجا ونتيجة والله المستعان..قلت : ومشروعي المعلن ينطلق من فرضية تقول : ( إن لسان العرب لم يدون ولم يؤخذ إلاّ من بيئة جغرافية واحدة ) ولهذا وقع الدكتور كمال صليبي ضحية لذلك الخلل في التدوين وتوهم بأنه قد اكتشف مهد التوراة ..عقب اطلاعه على المعجم الجرافي للبلاد السعودية الذي صدر عن مجلة العرب لصاحبها علامة الجزيرة حمد الجاسر يرحمه الله ..وكانت المجلة قد أخرجت معجم العقيلي عن جازان ومعجم عسير لمؤلف آخر ..كما أخرج كل من عاتق بن غيث البلادي و عمر رضا كحالة معجمين عن بلاد الحجاز هما من الشهرة بمكان ..كل ذلك كان (فخا) وقع فيه الصليبي دون أن يدرك أن الأسماء الواردة في التوراة فلسطينية عربية وإن لم يعثر عليها هناك لطمس صهيوني وتحريف صليبي طال المعالم الجغرافية حول بيت المقدس منذ آلاف السنين..لقد أفصحت المعاجم الحديثة عن صيغ وأوزان لم ترد في اللسان لكنها وردت في العهد القديم فتلقفها الدكتور كمال الصليبي والحق يقال ـ رغم بطلان استنتاجاته ـ إلاّ أن منهجه كان أكثر دقة ورصانة وليس بينه وبين بحث الرفاعي وجه للمقارنة ..ولم يكن منصفا الأستاذ عبدالله الحميد في نقاشه مع الصلبي ..بل كل من تصدى للرد عليه فقد كشفوا جهلهم الذريع بمنطلقات كمال الصليبي في تقريراته تلك.ولأن الرفاعي تلميذ غير نجيب فلم يستوعب نقاشاتي المستفيضة لقضايا ( لهجات المسند ) والجغرافية اللغوية التي ظلت مقتصرة على بعض البيئات الجغرافية الصحراوية منذ نشأة التدوين ..ولمَّا كنت أقوم بجمعها وتدوينها لأجل حل اللغز المسندي من جهة ..ومن جهة أخرى أتحقق من صحة الفرضية التي وضعتها قبل سنوات..كان يستفيد من كل تقدم أحرزه ، من منطلق الثقة بالرجل إلى محمولات أخرى وعلى رأسها الأمانة العلمية التي كنت أتشبث بها في كل معلومة أنقلها للرفاعي دون تحفظ ..
يقول : (ولأني واحد من جنوب بلاد العرب قررت أن أحاول فعل شيء عله يكون بطاقة دعوة لأولئك المختصين من علماء التاريخ لزيارة هذا الجنوب الجديد ، علّ الفتح يكون على أيديهم هذه المرة ..لذلك سميت الله تعالى، وانطلقت أبحث صامتا لعشرين عاما كثرت فيها زياراتي الميدانية للكثير من المواقع الجبلية بجنوب جزيرة العرب وحزونها القريبة منها ، لا سيما جبال منطقة جازان ـ التي هي منطقتي ..وقد كانت البدايات لا تزيد عن كونها زيارات استكشافية ، لأن التركيز فيها كان ينصب على طبيعة كثرة تنوع لهجات أهل هذه المواقع وقد واجهت صعوبة كبيرة في بداية الأمر بل لم أصل لما كنت أريده لأسباب كثيرة جدا ، منها أن لهجات هذه المواقع ـ كما قلت آنفا ـ هي كثيرة جدا ، إذ تجد أن أهل كل موقع لهم لهجتهم الخاصة بهم ، التي لا يتحدثون بها إلا فيما بينهم ، رغم تقاربهم وتداخلهم ، لكن ذلك لا يعني أنهم لا يفهمون بعضهم في الكثير مما يتحدثون به فيما بينهم في أكثر قضاياهم التي يشتركون فيها، لكن ـ أيضا ـ تبقى لكل موقع خصوصيته اللسانية .. وهذا ما دفعني أكثر لدراسة ألسن لهجات هذه المواقع ) انتهي (الحلقة ص 18 )اقتباس مطول لكن لا بأس ففيه عبارات وتقريرات سوف نقف عندها للتأمل فقط :الأولى : قوله: ( وانطلقت أبحث صامتا لعشرين عاما ) ..وأقول : عشرون عاما من البحث الصامت ؟؟!! كثرت خلالها زياراته الميدانية للكثير من المواقع الجبلية؟؟ ما رأي سيف العشيرة ؟ هل نعتبر الرجل صادقا فيما ساقه هنا ؟ أم أن هذا الرقم يقصد منه التكثير لا الدقة ؟ !! الثانية: قوله: (وقد واجهت صعوبة كبيرة في بداية الأمر بل لم أصل لما كنت أريده) ..عشرون عاما لم تثمر عن مبتغاه ؟ لكنه لم ييأس على مايبدو ..فاستمر يبحث ويجول وينقب دون كلل أو مملل تابع يستطرد بقوله :
( واستمر الأمر بين التتبع والأمل ، حتى كانت تلك الليلة التي زارني فيها أحد أبناء فيفا ـ أحد المواقع المشار إليها ـ وهو من المثقفين ـ وكان يعمل في الصحافة ، وفي أثناء جلستنا ، طلب مني الهاتف وأخذ يتحدث مع أهله ، بلسان لم أفهم ماهيته ، لأني لم أفهم حتى الحروف التي يكون منها الكلمة ، لطريقة نطقه لتلك الحروف الغريبة على سمعي من حيث اخراجها من مخارجها ـ هكذا ـ ) (الحلقة ص 18)..لحظة بالله يا سيف العشيرة ..ألم يقرر أنه ظل يدرس هذه اللهجات عشرون سنة ؟ لقد قرر ذلك قبل عشرة أسطر فقط؟؟!! ثم عاد هنا ليقول أن ذلك الرجل الذي زاره تحدث ( بلسان لم أفهم ماهيته ، لأني لم أفهم حتى الحروف التي يكون منها الكلمة )؟؟فأين كان يبحث ؟ وأين حصيلة أبحاثه في ألسنة القوم كما زعم !!الحقيقة أنه لم يبحث ولم يقم بأي زيارة ميدانية ولم يفعل من ذلك شيء ..وانظر ما خطه يمينه من خلال اعترافه الذي أنطقه به الحق جل جلاله فقال مستطردا ( حاولت أن أفهم ، ولكن دون جدوى ..عندها أخذت أسأل نفسي : ترى هل هذا الرجل يتحدث من العالم الآخر؟ لأني لم أشك لحظة في أن الرجل الذي أمامي يتحدث بلسان من تلك الألسن التي قيل أنها اندثرت ، وإذا كان كذلك فإما أن يكون هو فعلا يتحدث مع من رحلوا بلسانهم ..أو أن لسانه الذي يتحدث به مع الطرف الآخر هو لسان مبتكر لم نسمع عنه ) الحلقة ص19..وسؤالي لك يابن مفتاح ويا سيف العشيرة..هل هذه عبارة من درس لهجات عرب جنوب الجزيرة (صامتا )!! لمدة عشرين سنة ؟ أسألك أنت لأن الرفاعي لن يجيبني مطلقا وهو كما تعلم يترفع عن المهاترات!! والإبتزاز من جانبي !! كما أنه يواجه حربا عظيمة هي (امتداد لحروب سابقة !!) أسألك هل تلك عبارة من درس لهجة فيفا واطلع على (لحنها) وأوزانها الصرفية وقواعدها النحوية ؟ أم أنها دهشة من يسمعها لأول مرة؟؟وتابعه في استطراده مباشرة حيث يقول: ( فصحتُ مذهولا !!..ثم اندفعت نحو الرجل : ما هذا اللسان الذي تتحدث به؟ أجاب : إنه لسان قومي !!! لسان قبائل محافظة فيفا .. اللسان الذي توارثوه كابرا عن كابر..ولسنا وحدنا في هذا بل كل موقع من المواقع التي حولنا تجد أن لقبائله لسانهم الخاص بهم ..بعدها كثر لقاؤنا ، وطلبت منه الرفقة فرحب ، فانطلق معي تسجيلا وزيارة لبعض تلك المواقع لا سيما موقع جبال فيفا..وفي هذه المرة أختلف المردود الإيجابي لزيارتي لتلك الأماكن عما كان عليه في المرة الأولى ) الحلقة ص19.أما عبارته تلك (فطلبت منه الرفقة ) فتحتاج إلى المام باسلوبه الركيك لتدرك قصده .. وقوله : فانطلق معي تسجيلا وزيارة ..الخ ..تثير اسئلة عدة ..سنأتي على افتراضها ونقاشها لاحقا..لكنه ـ أي الرفاعي ـ دون أدنى شك رجل محظوظ للغاية !! تابعه مستطردا :(وهنا تتجلى عناية الله تعالى التي دفعتني لهذا البحث من البداية ...نعم عناية الله هي التي سخرت لي واحدا من أبناء كل موقع من تلك المواقع ) الحلقة ص19.(!!!!) إذا إنه (التسخير) ؟!!هكذا أيها التلميذ العاق ؟ وجدتني (مسخرا ) ؟؟ فأتيت على أبحاثي لأن الله سخرني لك ؟ وصور استطلاعاتي الصحفية لأن الله سخرني لك؟؟ وكل ما ند عني من نص مكتوب أو قول منطوق إلا وانتهبته واستوليت عليه من باب أنني مسخر لك كما تزعم ؟؟..لقد استوعب متن الكتاب كل ما وقع تحت يده من ابحاثي..بينما ضاق عن ذكر ذلك الفيفي المثقف (المسخَّر) الذي كان يعمل في الصحافة!! لم يذكر اسمي بتاتا في قصته تلك أو يشير لصاحبها في الهامش استعلاءً وتغطرسا فجا لا يند عن سوي ..لكني لا ألومه طالما وهو يؤمن بأن ذلك تسخيرا ..فسبحان من سخّر لنا هذا وماكنا له مقرنين.
(1)
لم يسبق لكتاب الرفاعي (الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية) أن أخضع للدراسة والنقد ، ولم ينشر عنه سوى خبر صحفي في ثقافية الجزيرة ـ حسب علمي ـ اقتصر على مقتطف من تقريض البشر ولم يتجاوزه إلى غيره..من متن اوهوامش على الاطلاق.ويقع الكتاب الذي صدر عن دار اللطائف بمصر في 440 صفحة غلاف مقاس 17/ 24 سم ، احتوى مقدمة وتمهيدا لثمانية فصول هي متن البحث ثم الخاتمة ، اتبعها بالملاحق فثبت المراجع أما الغلاف الداخلي الأول فاحتوى على خريطة جغرافية لمنطقة جازان على وجهي الصفحة ، مشيرا أنها منطقة البحث ثم الاهداء الذي خصصه المؤلف لوالديه رحمهما الله فمقدمة الدكتور كمال البشر .. وجاءت عنواين الفصول على النحو التالي :الفصل الأول: التاريخ يعيد نفسه .الفصل الثاني: بين الآرمية والعبرية .الفصل الثالث: عروبة النسب الإبراهيمي.الفصل الرابع: السريانية والنسب العربي.الفصل الخامس: الرهاء ـ بين المصطلح السرياني والنسب الأزدي.الفصل السادس: الخصائص اللغوية المشتركة بين الراحلين ومنطقة البحث .الفصل السابع: قبائل طي والمنطقة القديمة .الفصل الثامن: اللسان المكي والتأثير الجنوبي.والنسخة التي بحوزتي طبعة شعبية ، دون ألوان ، رديئة الاخراج والتنسيق ، مليئة بالأغلاط الطباعية ، وقد جاءت صور الملحق مطموسة المعالم فلا تكاد تبين منها شيئا .وأعود فأقول : ألمحتُ في حلقة الأمس إلى أربع نقاط سوف أتناولها بالتفصيل ، ولكن قبل ذلك دعونا نلج إلى تمهيد نتعرف من خلاله على نماذج توضح منهجه في البحث والاستدلال . وبما أن (الكتاب من عنوانه) كما يقال ، فإننا أمام تلك (الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية ) التي عثر عليها الرفاعي فذهب يصرح لصحيفة (الرياض) بعددها الصادر ليوم الإثنين في 12 محرم من عام 1429هـ بتصريح جاء فيه : (عثر الباحث الدكتور عبدالرحمن بن محمد الرفاعي على الحلقة المفقودة لامتداد عربية للهجات السامية من خلال بحث ودراسة امتدت لاكثر من ربع قرن تركزت في الشريط الجبلي لمنطقة جازان واوضح الباحث الرفاعي ان بحثه الذي جاء في ثلاثة مجلدات اثبتت ارتباط اللهجات السامية كالكنعانية والاكادية والسريانية والعمورية والاغورية والعبرية والاشورية والبابلية والايلاوية والمندائية والتدمرية والنبطية والمؤابية والعمونية والادومية والصفوية والثمودية وغيرها من اللهجات السامية الجنوبية والشرقية الاخرى ما هي الا لهجات انبثقت من اللغة الأم وهي العربية وقد تضمن بحث الدكتور الرفاعي ثمانية فصول) هكذا أوضح الرفاعي في تصريحه لمراسل الرياض الاستاذ أنور خواجي ..وليس هناك ثلاثة مجلدات كما أشار غير أن الذي يهمنا بالدرجة الأولى هي تلك النتيجة التي توصل لها بعد أكثر من ربع قرن من الزمان كما أشار الباحث بعظمة لسانه.والإشكالية العويصة تتمثل في العنوان ، ومحلها تحديدا في كلمتي ( اللهجات ) و (السامية ) ، فنحن نعلم سلفا بوجود عدد من اللغات السامية وكل لغة من تلك اللغات تتفرع إلى لهجات عدة ..فكيف يمكننا القبول بعنوان كهذا في ظل هذه الحقائق والمسلمات ؟ وهناك لغات سامية (شرقية) وأخرى غربية حسب التصنيف العلمي المعروف ..وهذا العنوان لا يستقيم مع إي من القسمين حتى يلج الجمل من سم الخياط!! وأهل العلم يطلقون على هذه الألسن (لغات) بينما جاء الرفاعي ينعتها بـ (لهجات) ..ليس ذلك فحسب ، بل يُخَلِّطْ ويُخَبِّص بشكل لا مزيد عليه من (أخْجَمٍ) البتة ..فمثلا من بين اللغات التي حشرها أعلاه : السريانية ..وهي شمالية وواحدة من مجموعة اللغات الآرامية..وماتزال محكية في كثير من مواطنها في حوض الأبيض المتوسط ، وفي قوله ذاك توسع كبير دون دليل مهما كان واهيا ..وقل في الأمهرية ، وهي جنوبية وسلالتها: الجعزية ، والتيقراتية ، كما تقول عن العبرية الكنعانية ، من استقلالها جميعا عن لغة الضاد فلا يمكن أن تكون واحدة من لهجاتها.. وفق التعريف اللغوي (للهجات) غير أن الرفاعي يفتقر إلى المعرفة والدراية بما يتصدى له وبما ينطوي عليه عنوانه الذي اختاره لموضوعه هذا ، فكشف جهله الذريع بعلوم الساميات وسلالاتها ، وتواريخها : نشأة ، وتطورا ، وانحسارا، وتقهقرا ، واضمحلالا، وذوبانا.وخلاصة القول : أن الباحث لم يجد حلقة ولا هم يحزنون بل توهم ، ونثر جهلا كثيرا خالصا ، وتلفيقات ، وتخرصات، وأباطيل ، ينضح بها هذا البحث السقيم ..ولكي نبدأ نقاشه فيما ذهب إليه وحرره ، لا بد أن نأتي على أقوال المختصين في تعريفاتهم لحدود اللغة ولهجاتها ..ثم نتفحص الطريق الذي سلكه ، والدليل الذي قاده ،الى الحلقة المفقودة..وقد نشاهد سويا هل ضلَّ أم أهتدى؟.
(2)
اللغة العربية ، تنتمي الى عائلة اللغات السامية ، طبقا لما ذهبت اليه أبحاث المؤرخين من علماء اللسانيات ، ولم تظهر أبحاث تناقضها حتى هذه اللحظة ، رغم تطور بحوث (السيموطيقا) و(الميثيلوجيا) التي تشفعها المسوحات الميدانية المتطورة والتنقيبات الآثارية الواسعة ، بحضور فاعل ومؤثر للمعطيات التنكلوجية الحديثة ، رغم ذلك ، فما تزال عائلة الغات السامية على حالها الى هذه الساعة وهي ثلاثة أقسام
1- اللغات السامية الشمالية : وتشمل العربية ، والسريانية ، والعبرية ، والفينقية . 2- اللغات السامية الجنوبية : وتشمل الأمهرية ، والجعزية ، والتقرات.3- اللغات السامية الشرقية : وتشمل الكلدانية ، والسومرية .أما الرفاعي في تصريحة المشار إليه في صحيفة (الرياض) فقد وقع ضحية ما يعرف بالموسوعة الحرة (ويكيبيديا) التي جعلت لهجة (فيفاء) واحدة من اللغات السامية الجنوبية!! وهي موسوعة يحررها كل من هبَّ ودبّ ، ودون ضوابط علمية أو تحكيمية دقيقة ..وقد نقلت لكم ما جاء في تلك الموسوعة مختصرا للمطابقة مع تصريحه آنف الذكر : ((( لغات سامية شرقية الأكادية ، الآشورية ،البابلية ،الايبلاوية (لغات سامية غربية)1ـ لغات آرامية الآرمية العتيقة ، أرامية شرقية ، السريانية (ܣܘܪܝܝܐ) ، الآرامية البابلية ، المندائية ، التدمرية ، الآرامية المسيحية السورية ، نبطية ، أرامية عربية ، السامرية ، الآرامية المسيحية الفلسطينية ، الأوغاريتية 2ـ لغات كنعانيةالعمورية (الأمورية) ، الفينيقية والبونيقية ، العبرية (עברית) ، العمونية ، الأدومية ، العربية الشمالية القديمة ، اللحيانية ، الثمودية ، الصفوية ، الديدانية ، العربية الحديثة ، المالطية ( لغات سامية جنوبية غربية)العربية الجنوبية العتيقة ، السبئية ، الحِميرية ، المعينية (الاقرب إلى العربية) ، القتبانية (الاقرب إلى العربية) ،الحضرموتية ، الخولانية (لهجة فيفا) ،العربية الجنوبية ، الأجاعرية (لغة قبيلة الأجاعز اليمنية) ،حبشية ، الجعزية ، الأمهرية ، الأرغوبية ، الخاسية ، لغة تجرا ، لغات جراجي ، هرر ، الغافات. ))) انتهى .قلت : وآفة هذا التصنيف ، حشده اللهجات العربية ، وحشرها بين ألسن لغات مختلفة لا صلة له بها البتة ، ولو لم يكن به سوى تصنيف لهجة فيفاء : لغة من اللغات السامية لكفاه سقوطا وتهافتا عند أي بليد في فقه اللغة ، والآن تعالوا بنا لنلقي نظرة على التعريف الشائع للهجة : قيل : هي الظواهرالكلامية المستقلة ، في لسان مجتمع مصَغَّر من الناس ، ينتمون لمجتمع أكبر يتكلمون نفس اللغة الواحدة . ففي اللغة العربية رصد اللغويون ـ القدماء وسار على نهجهم المحدثون ـ شيئا من تلك الظواهر، اسموها اللهجات العربية ، أو اشكالاتها : كالعنعنة: وهي قلب الهمزة عينا ، عند قيس وتميم في قولهم إنَّك ، يجعلونها (عِنَّك) , كذلك الكشكشة : وهي في ربيعة ومضر ، وتتمثل في الحاق الشين بعد كاف الخطاب للمؤنث ، والتلتلة : وهي كسر حرف المضارعة مطلقاً , والإستنطاء: وهو جعل العين ساكنة (نوناً) إذا سبقت بحرف الطاء , وذلك في الفعل ( اعطى ) فتكون (أنطى) عند قيس ، وسعدبن بكر، وهذيل وغيرهم ، والجعجعة أو العجعجة : ومنها إبدال الياء جيما ، وهلم جرا فيما يعرف بالطمطة ، والفحفحة ، والغمغمة ، والكشكشة ، والتضجع ، والقطعة ، والرثة ..الخ الخ ..اطلق عليها (لهجات)..وهذه السمات تم رصدها في بيئات متباينة عدها السيوطي في المزهر بتعريفاتها ، فبلغت نحوا من عشرين اشكالا لغويا ، هذا في الجانب الصوتي ، أوما يعرف بالقلب والإبدال ، والقلب المكاني . أما الجانب الدلالي فلا حصر له ، ويكننا مع الطفرة الاعلامية المعاصرة ملاحظة ذلك في اللهجة الشامية ـ على سبيل المثال ـ مقارنة بالمغربية ، والخليجة . فمثلا :(أرنب ) هو في لهجتنا ( شريفاة ) . و سلحفاة : هي عندنا ( قرنفاة) وعند آخرين (فكرون ) وغيرهم (كركعة). وهكذا..أدى هذا الثراء إلى ما يعرف بالترادف . ومحصلة القول : إن الدراس للهجات العربية بتعمق ، يدرك كم كانت المعاجم اللغوية قاصرة في تدوينها ولم تستوعب لسان العرب بمستوياته الجغرافة الثلاث.والرفاعي عندما يدعى بأن السريانية ، والعبرية ، والأمهرية ، لهجات عربية ، دون أن يقدم مبحثا واحدا يتناول الصلة الرابطة بينها وبين السان العربي فأمر غير مقبول البتة ..مع ملاحظة أن تلك اللغات تنتمي لعائلة واحدة ، هي السامية ،وقد علمنا سلفا السبب الداعي لهذا التصنيف ، ولكن الرفاعي لا يعلمه . ولهذا جاءنا بالقواصم والصيالم والمهلكات . إن كون هذه العائلة اللغوية ، عرفت بالسامية ، فلأنها تمت بصلات ما ، صوتية ، ودلالية ، غير جوهرية في غالبها ، وذلك بتحريض من العوامل التاريخية ، والجغرافية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، جعلت منها سلالة واحدة ، واكسبتها هذا التصنيف ، وعلى العموم فكثير من لغات العالم تتفق في صيغ ومفردات معينة ، غير أن هذه الظاهرة لم تكن مسوغا مقبولا للقول بأن هذه من تلك ، أو أن هذه لهجة من تلك اللغة . وكان يفترض به إيجاد تعريف جديد لكلمة (لهجة) ، يقدمها في دراسة علمية رصينة مقبولة ، يسقطُ من خلالها التعريفات السابقة لحدود اللهجة ، ومن ثم يبدأ في الانطلاق وفق رؤية جديدة مغايرة . أماّ والحال على سابق عهده فإن عنوانه القائل : (الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية ) ليس صحيحا ، سيما في ظل عجزه الواضح في إيجاد حلقة (سامية العربية نفسها ) أي بانتمائها الشرعي للساميات ، فضلا عن جعل تلك اللغات مجرد لهجات تنتمي للغة العربية .وحقيقة الأمر أنني مكثت ردحا من الزمن أجمع لهجات المنطقة في سبيل اثبات أن نصوص المسند عربية فصيحة وألقيت في مجلسه محاضرات في هذا الصدد ثم زودته ببعض من مسودات البحث ، فاستقله (من باب التسخير ) ذهب فيه كل مذهب ، ولكنه أبعد النجع ، وخطا واسعا ، مدعيا أنه صرف من عمره ما يزيد عن ربع قرن ، من البحث والدراسة حتى عثر على الحلقة المفقودة ..ولو عدنا الى عبارته التي نقلتها في الحلقة السابقة وهي قوله (فصحتُ مذهولا !!..ثم اندفعت نحو الرجل : ما هذا اللسان الذي تتحدث به؟ أجاب : إنه لسان قومي !!! لسان قبائل محافظة فيفا .. اللسان الذي توارثوه كابرا عن كابر..ولسنا وحدنا في هذا بل كل موقع من المواقع التي حولنا تجد أن لقبائله لسانهم الخاص بهم ..بعدها كثر لقاؤنا ، وطلبت منه الرفقة فرحب ، فانطلق معي تسجيلا وزيارة لبعض تلك المواقع لا سيما موقع جبال فيفا..وفي هذه المرة أختلف المردود الإيجابي لزيارتي لتلك الأماكن عما كان عليه في المرة الأولى ) الحلقة ص19. لو عدنا الى هذه العبارة لوجدناه يسأل ذلك الفيفي : ماهذا اللسان الذي تتحدث به ؟ فهو يسمعه لأول مرة كما أشار ، كان ذلك أواخر عام 1997م ، والفيفي الذي ساق قصته تلك لم يكن سوى محمد بن مسعود الفيفي ، والكتاب صدر 2008م عشر سنوات تفصل بين سماعه الأول لنغمة هذه اللهجة ، وصدور كتابه هذا ، لتمتط لاحقا إلى ما يزيد عن ربع قرن من الزمان ، وهذا كذب صريح ، وإنما الصحيح أن دراستي للهجات المسند بدأت في 1984م وقد تكللت ـ ولله الحمد ـ بالنجاح واسفرت عن كشوف لغوية في لهجات جنوب الجزيرة العربية ، أعلنت عنها مؤخرا وستنشر قريبا بإذن الله ، قلت : ولعله من باب التسخير أيضا أن أصرف وقتا وجهدا في نقد عمل من أعمالي وفكرة من أفكاري ليس للرفاعي فيها نصيب سوى شقلبتها وتغيير وجهتها بل لم يحسن الرفاعي استغلالها على الوجه الأمثل ، وهذا من كرم الله عليّ فله الحمد والشكر. يقول الرفاعي ( وطلبت منه الرفقة فرحب ) يقصد أنه طلب مني أن أرافقه في بحثه الميداني كما يزعم ، وهذا لم يحدث البتة ، ولكنه طلب مني صورا لأبحاثي ومنها ( فيفاء لمحة أدبية تاريخية ) ، ( الضمائر واسماء الاشارة ) في لهجات عرب جنوب الجزيرة ، وعدد من الملازم المتعلقة بمعجم لهجة فيفاء .. ثم يردف بقوله ( فانطلق معي تسجيلا وزيارة لبعض تلك المواقع لا سيما موقع جبال فيفا..) أما من ناحيتي فلم يسبق أن خرجت مع الرفاعي في جولة ميدانية سواءً للبحث أو غيره ، في فيفاء أوغيرها ، ولم يسبق أن قدمت له تسجيلا للهجة فيفا ولوفي كلمة واحدة ، هذا لم يحدث مطلقا وقد كذب علي وأفحش كعادته دوما ، وإنما قال ذلك من باب التدليس الذي ينتهجه فيما يتعلق بابحاثه في اللهجات ..التي تَحَوَّلَ إليها فجأة بعد أن سَخَّرني الله له كما اشار، اثر لقائنا أواخر سنة 1416هـ ، ثم بعد اطلاعه على أبحاثي المتعلقة باللهجات ، وقد كان يدندن حول الإعجاز ، في أبحاث لا علاقة لها بفقه اللهجات من قريب أو من بعيد .
ولنفترض أن أحدهم جاء يقول : ومعلوم لدى العامة فضلا عن الخاصة أن أي باحث في هذا الكون من حقه استقاء معلوماته أو أدلته من كل المصادر المتاحة أمامه ، ويعزوها في هوامشه حسب المتبع وهذا مافعله سعادة الدكتور عبدالرحمن الرفاعي يحفظه الله بالتمام والكمال وإليك أيها الفيفي المبتز قائمة بالهوامش التي أتي على ذكرك فيها.1ـ حاشية رقم (1) ص 292ـ = = (2) ص 323ـ = = (1) و رقم (3) ورقم (6) ورقم (7) ص 844ـ = = (2) ص 855ـ = = (1) ص916ـ = = (1) و رقم (2) ص 136 7ـ = = (2) ص 1378ـ = = (3) ص 1529ـ = = (1) و رقم (4) ص23210ـ = = (2) ورقم (3) ص23311ـ = = (2) ص 24212ـ = = (3) ص 24513ـ = = (1) ورقم (2) ورقم (3) ص 26114ـ = = (2) ص 27815ـ = = (1) ص 28216ـ = = (1) ص 29617ـ = = (1) ورقم (2) ص 30318ـ = = (1) ورقم (2) ص 30619ـ = = (2) ص 30820ـ = = ( 1) ص 31321ـ = = (1) ص 31422ـ = = (2) ورقم (3) ص 315 23ـ = = (1) ورقم (2) ص 31724ـ = = (1) ص 32025ـ = = (1) ص 34326ـ = = (1) ص 35027ـ = = (1) ورقم (2)ص 35328ـ = = (1) ص35529ـ = = (1) ورقم (2) ورقم (3) ص 36130ـ = = (7) ص 37831ـ = = (1) ص 37932ـ = = (3) ص 38033ـ = = (1) ص 38134ـ = = (1) ص 40035ـ حاشيـة(2) ص 40936ـ = =(1) ورقم (2) ورقم (3) ص 41037ـ = =(1) ورقم (2) ورقم (3) ص 41438ـ = =(1) ص 41639ـ ص 423 في شرح الصور أشار إلي أنك من قرأ المسانيد التي عثر عليها في جبال العبادل.40ـ ص 426 في المقابلات والتسجيلات والمساهمات ذكر مانصه ( وهذا كان له دور كبير في ترجمة لسان قومه اضافة لتصويره لنا الكثير من صفحات مؤلف له بعنوان لهجات فيفاء مخطوط اضافة لعدة جلسات ومقابلات وتسجيلات صوتية تمت معه ).لقد أشار لك في أكثر من ستين موضعا من هوامش بحثه .. ثم تأتي لتكيل له التهم وتطعن في دقة بحثه وتتهمه بالكذب والتدليس والتزوير .. ) انتهى القول الافتراضي. حينها سأرد قائلا : ، إنما رأيته في بحثه من دقة واستقصاء وأمانة علمية ، سيتضح لك من خلال مناقشة فصول كتابه هذا بدءً بالتمهيد وانتهاءً بالخاتمة وثبت المراجع فلا تتعجل فقط اطلب منك أن تراجع الهوامش التي سردتها اعلاه بصورة دقيقة ، وستكتشف أنه عندما ينقل عني شيئا يعزوه أما لتسجيل صوتي أومقابلة ، أو مخطوط ، أو رسالة خطية ، بل ربما اكتفى في بعضها بقوله : أحد أبناء جبال فيفا بمنطقة جازان بالمملكة العربية السعودية ، دون أن يذكر من يكون هذا الإبن ، وانظر على سبيل المثال الحاشية رقم (1) ص91 حيث يقول :(لهجات فيفا مخطوط ـ 84 ـ85ـ محمد الفيفي ، ومثله سلمان العبدلي ، ومحمد قاسم اللغبي، وعلى جابر اللغبي ، وأحمد جبران الجابري، والجوابرة بني معين والغمر وجبل سلى تسجيل . ) قلت : وقد ذكرتني هذه الحاشيته ببرنامج ما يطلبه المستمعون ، وبالمناسبة ليس لي كتاب مخطوط بهذا الاسم مطلقا ، فلا تتعجب عندما يذكره في بحث آخر تحت مسمى ( الفنون الشعبية في فيفاء وما حولها ـ مخطوط لمحمد بن مسعود الفيفي ) إنه عنوان مختلف تماما كما ترى !! ولم يسبق أن ألفت كتابا بهذا الأسم ولكنه مبحث في باب من أبواب كتابي المخطوط( فيفاء لمحة تاريخة أدبية) وقد يكون دافعه حسن نية فلم يذكراسمه صريحا كونه مباعا ، لكن لا خلاف في صحة نقله منه باسمه الحقيقي ولهذا ظل يتحاشاه، وذكر لي في هذا البحث ما يوهم القارئ بعدد من العناوين المخطوطة لمحمد الفيفي ..

التمهيد
من ص 4 ـ 36
ــــــــــــــــــــــــــ
نوه فيه الباحث عن تشرذم الأمة التي أبدلت أنسابها بصفاتها ، (فتمزقت وتشتت حتى أصبحت ذات ألسنة فيما بينها عليها غريبة ) ص4 . وكأنه يشير إلى المشكلة التي يسعي البحث لحلها ,, متحدثا عن الهجرات العربية للفينيقين والكنعانيين ، وكيف أدرجوا تحت اسم الشعوب السامية في غربتهم بعد أن حرفت أسماء قبائلهم وأنسابهم من قبل الحاخامات المتعصبين الذين كتبوا التاريخ التوراتي.وعموما فالتمهيد متخم بالطوام (المُرَمِّعات ) . ومهما أوتي الإنسان من طول نفس ، فإنه لا يلبث أن يصاب بالإحباط الشديد بعد قراءته أسطر قليلة ..يقول مشيرا إلى بعض المناطق الجغرافية للبحث بقوله : ( أما الجزء الممتد داخل الحدود السعودية وهو الجزء الأهم المعني أكثر بهذه الدراسة الصغيرة ، فمواقعة تمتد من فيفا ذات مواقع (وادى جرفا ـ الجرف ) أهم موقع ومراكز طي قديما ، فمواقع جبال العبادل ذات مواقع قبائل جذام ولخم وكهلان ، ومواقع العر المشهورة ، فمواقع قبائل بني معين وهي المواقع التي ارتحل منها من سموا بالكنعانيين) 20ـ21الحلقة المفقودة.والذي يهمنا هنا هو ( وادي جرفى ) وكيف نعته بـ (الجرف) مدعيا أنه أهم موقع ومراكز طي قديما ، قلت: وقد تناقشنا طويلا حول استحالة ما ذهب إليه، كون وادي جرفى لا يعدو شعبا ضيقا لا يتجاوز عند الإتساع عشرة أمتار إلى خمسة أمتار كحد أدنى، وأما طوله فحوالي 1350مترا ابتداءً من (جلة جرفى) وانتهاءً في (حيد امثوعة) وقد سمي على اسم تلك الصخرة المنتصبة في جنوبه يعتليها ثلاثة مساكن لأهل (جرفى ) مع مدرجاتهم ، الزراعية ويبلغ طول الصخرة 197م في 145م بما أقلَّت من مدرجات وبيوت ..هذا كل شيء عن (جرفي) الذي لا يعرفه معظم سكان الجبل ، فهو من الأماكن المجهولة ، ولولا قرب مسكني منه لما دخل قاموسي ..وقلت للرفاعي أن ذلك لا يستقيم البتة ..حينما سألني سنة 1419 هـ هل يوجد مكان في فيفا اسمه الجرف ؟ فأجبته بالنفي ، ولكن هناك موضع نسميه (جرفى ) فالتمعت أساريره وكأنه عثر على كنز ثمين ، ووضحت له طبيعته الجغرافية وسبب تسميته، ووجدته هنا قد أطلق عليه اسم (الجرف) من عندياته لأمر ما ، ولو علم بمدلول الكلمتين في اللهجة لأدرك الفرق بينهما ..فإذاً جعل (جرفى) المكان الذي هاجرت منه قبيلة (طي) وجبل العبادل، النقطة التي انطلقت منها (جذام ولخم وكهلان) ، أما الكنعانيين فمعينيون من جازان كما علمتم ..أما كيف توصل لهذه النتائج المدهشة ؟ فباستقراء لأدلة عثر عليها ،وسنناقشها في مضانها ، وما هذا سوى التمهيد فليتنبه القارئ. ثم يستطرد قائلا: (ومعلوم أن مواقع بني معين التي انطلقت منها تلك القبائل التي سميت بالكنعانيين ،هي مواقع جبلية ، وهذا يعني أن تلك القبائل التي رحلت منها قد اتخذت جهات الغرب طريقا لها عند رحلتها ـ كما سبق هذا في مكانه ـ مما يعني أن هبوطها كان نحو سهول مواقعها المرتفعة ، وهذا ما أكده ساكنو الكثير من تلك القبائل لهذه السهول قبل أن تواصل سيرها نحو الشمال ) ص21.قلت : وهنا تتجلى عبقرية الباحث وحسن استقرائه ، وسلامة استدلاله ، فحينما وقف يسأل من بقي ولم يرحل مع المهاجرين ، أكدوا له الوجهة التي سلكها أجدادهم! ، ولنتصور الرفاعي وقد اعتلى صهوة جبل القلالة بالعبادل ، ثم وجد نفر من كبار السن ، وسألهم : أين ذهب أجدادكم ؟ فأشاروا له جهة وادي جازان ، الذي يقع تحت ذلك الجبل المنيف ، فأدرك بعبقريته أنهم جذام ولخم وكهلان الذين هاجروا قبل 5000 سنة ، ولكن مهلا : لو افترضنا أنهم عندما مدوا أيديهم بالإشارة نحو الأسفل ، لم يكونوا يقصدون سوى أن أجدادهم قد رحلوا إلى الأجداث ولقوا مصائرهم المحتومة ، لا أنهم سلكوا الطريق الهابط الى السهل كما فقِه الباحث ..بل كنا سنجد العجب العجاب لو أشار أحدهم نحو السماء ـ أي صعدت أرواحهم لبارئها ـ لجاءنا الرفاعي يقول : هاجر القوم في وسائل نقل جوية ، الله وحده يعلمها!! . لا بأس!!! فقوله: (وهذا ما أكده ساكنو الكثير من تلك القبائل لهذه السهول قبل أن تواصل سيرها نحو الشمال ) كلام مدهش وفيه من الكوميديا والمرح ما يلطف جفاف وخشونة المادة التاريخية ، وخاصة من قبل باحث كالرفاعي.ثم يستأنف : (وقد كانت هذه السهول منطقة كبيرة وشاسعة جدا وكانت ذات غابات كثيفة ، ووديان جارية ـ كأنها أنهار لعدم انقطاعها ـ وتربتها ذات خصوبة عالية ، مما يعني أنها كانت تغري الباحثين عن الحياة الطيبة بالسكنى والإستقرار...وكانت هذه المنطقة السهلية يطلق عليها اسم بلاد فرسان قبل أن يحدث الفصل المائي بين ما سمي فيما بعد بقارة أفريقيا وقارة آسيا ـ شق البحر الأحمر ـويصبح الكثير منها أي هذه المنطقة أرخبيلا من الجزر وسط هذا الشق البحري ، وليصبح اسم فرسان يطلق فقط على هذا الأرخبيل فيما بعد أما ما بقي من هذه المنطقة السهلية فأصبح يسمى بأرض وادي جازان ، ثم مخلاف جازان ، فالمخلاف السليماني ، فمنطقة جازان حاليا) ص21قلت : وهذا النص يشبه إلى حد بعيد ، نصوص كتاب ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) يعني الجماعة نزلوا من جبل العبادل قبل (الفصل المائي بين ما سمي فيما بعد بقارة أفريقيا وقارة آسيا)؟؟ مدهش يا عبدالرحمن أقسم أنك مدهش !!..هذه (المرمعة) لا يقول بها عاقل البتة..وخطؤك هنا فادح لأبعد حد ولا يمكن احتماله للأسباب التالية: أولا: الجيولوجيون يقولون بأن البحر الأحمر أحدث بحار الأرض بفارق زمني قدروه بـ( 25) مليون سنة ..ولكن يجب أن تطرح هذا الرقم (25) مليون سنة من (4) بليون سنة ، الذي هو عمر الأرض !! لتحصل على العمر التقريبي لتكون البحر الأحمر، الذي اسميته فاصلا مائيا.!!!ثانيا : عمر الحياة على وجه الأرض تقدر بـ (5و1بليون سنة) ، أي أن الجماعة نزلوا من جبل العبادل قبل وجود الحياة على كوكب الأرض بفارق يقدر بالبليون وحشد من الأرقام الأخرى للملايين من السنين!!ثالثا : العمر الجيولوجي لجزر فرسان يقدر بـ (ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف سنة) ، إي أنها كانت قبل ذلك تحت الماء !!رابعا : مضى على طوفان سيدنا نوح فترة زمنية تقدر بـ ( 7600) سنة !!فما رأيك كباحث في من هاجروا من جبل العبادل ؟ قبل الطوفان وقبل الخليقة ببلايين السنين؟؟؟ ليس خطأ مطبعيا ما ارتكبته هنا، بل هي مجزرة وحشية لكل علوم الأرض مجتمعة . فلله درك كم أضحكتني من استقرائك هذا عن هجرة (جماعتنا)!!ثم يقول:( فالقبور الموجودة في أعالي وادي ضمد لا يستطيع الناظر إليها أن يفرق بينها وبين القبور التي خلفوها في جزء الأرخبيل من ـ جزر فرسان فيما بعد ـ بل جل الآثار الموجودة هنا وهناك هي واحدة مما يؤكد وجود تلك القبائل التي مرت بهذه المنطقة عند هجرتها واستقرت بها زمنا (ما) ثم أصبحت تعرف بعد رحيلها خارج جزيرتها بالكنعانيين ، فهذا ما أكدناه في الدراستين السابقتين عن هذه القبائل ، ولا سيما الدراسة الثانية التي زودناها بالكثير من الصور الفوتوغرافية التي تشير للكثير من آثار تلك القبائل ، سواءً أكانت في مواقعها التي استقرت بها في سهول هذه الجبال كالصور التي تشير لأحد معابدها الضخمة وما يوجد بداخله من نصب ونقوش مهمة جدا وهناك صور أخرى تشير لمقبرة كبيرة للمدينة الأثرية التي لا تبعد كثيرا عن موقع المعبد ، وصور كثيرة تجلي الكثير من غوامض هذا الموقع ، مع دراسة موجزة لبعض من تلك النقوش ، من حيث اللغة التي كتبت بها لهجتها ، مع مقارنة باللهجات الخاصة بأهل الموقع التي وجدنا بها هذه الآثار والنقوش ، التي يقول عنها أهل هذا الموقع ـ الآن ـ أنهم توارثوها كابرا عن كابر ولا أحد يعرفها غيرهم )ص 21ـ22قلت :أولا : قام بتغيير مكان المدينة الأثرية ، من جبال العبادل الوعرة المنحدرة ، إلى السهول المنبسطة الواسعة ، وهذا يجعلها أكثر مواءمة ، وأقرب للتصديق ، من حشرها في قمة القلالة ، وهو بهذا الاختيار الموفق بدأ يحسن التعرف على الأماكن المناسبة لتشييد المدن الأثرية.. لقد قرارا صائبا بالفعل ، وتأمل مرة أخرى في قوله ( سواء أكانت في مواقعها التي استقرت بها في سهول هذه الجبال ) إنها عبارة ينقصها اكتمال التخيير ، فعدل عنه للاكتفاء بوصول الرسالة التي كان مفادها أن الصور الملتقطة كانت لمواقع أمم هاجرت قبل الخليقة ..إي قبل وجود البحر الأحمر. ثانيا : عندما يتحدث عن الآثار ـ عموما ـ فإنما (يُخرْفِعُ) خرفعةً ، ويفتعل وجود دلائل ذات سمات مختلفة تجعل منها شيئا ذا قيمة تاريخية ، فاستشهد بالمقابر المنتشرة في فرسان وأعلي وادي ضمد للتشابه القائم بينها!!. وسنرى كيف سيبين وجوه الاتفاق والافتراق ، بين المجموعتين من خلال المتن ..أما فرسان فقد زرتها وأطلعني الأستاذ ابراهيم مفتاح على آثارها ، وتناولها بالدرس في أطروحات عدة اطلعت عليها ، ليس من بينها مقبرة أثرية ، كتلك التي في أعالي وادي ضمد كما ذكر!! فلا هنا أوهناك غير مقابر متشابهة بالفعل ولا تقدم دليلا خاصا . غير الموت والفناء وأن الأرض لله يورثها من يشاء , ولآثار في العبادل أوفيفا لا وجود لها بالصورة التي هي عليها في فرسان بأي حال ، سواءً منها ماكان قبل الاسلام أوبعده .. فأين الآثار التي عثر عليها الباحث ليقارنها بآثار فرسان؟.ثانيا: الدراسة التي ذكرها وأكد عليها هي ( الكنعانيون معينيون من جازان) وقد عرفتم حقيقة تلك المدينة الأثرية ومعبدها الضخم ، ونقوشها المسندية ،وأنصابها ، وسورها المتهدم ، ومقبرتها العظيمة ، التي كلها كذب وتدليس يتضح هنا أيضا ، من خلال ادعائه بأنه نشر صورا كثيرة تفيد بما ساقه من معالم أثرية ، وتجلي الكثير من غوامض الموقع لكنه جعل المدينة في السهل كما بينا في أولا.. رابعا : يوهم القارئ بأنه قد عثر على نقوش مسندية ، مكنته من اجراء دراسة مقارنة بينها وبين اللهجات المحكية في تلك الأصقاع وهذه دعوى ثبت زيفها وبطلانها بالدليل القاطع ..
(5)
يقول الباحث:( وإذا كان جل جنوب جزيرة العرب قد وُصِلَ إليه وبُحِثَ..ومنها بعض من مواقع المنطقة التي أشرنا .. فهذا يعني أن مانسبته تسعين بالماءة مما ذكر لم يبحث ولم يصل إليه أحد من أولئك الرحالة ، لأنه لم يذكر في كتبهم وبحوثهم ، بل ظلت هذه المنطقة ـ بالذات ـ من أجزاء جنوب جزيرة العرب ، بجميع مواقعها عبر التاريخ منطقة معزولة من أن يصل إليها أحد ، أو يختلط بأهلها غريب ، بل لا أبالغ إن قلت إن أكثر مواقعها الى قبل عشر سنوات من الآن صعبة المنال إلا لأهلها ، حتى أن المعلمين الذي يوجهون إليها للتدريس بها ، كانوا لا يستطيعون الصعود إلى أكثر مواقعها إلاّ بواسطة الحبال التي تدلى إليهم من أعلى الجبل ومن ثم يسحبونه إلى أعلاه) ص 23قلت:أولا: لم تعد مادة الجغرافية حكرا على أهل الاختصاص مع (google earth) الذي قسنا به الطول والعرض لوادي جرفى ، وصخرته التي زعم الباحث أنها مواطن قبيلة طي التي هاجرت منها ، أما الآن فقد أصبحت (مراحة للربحة) ولا يمتنع أن تكون هاجرت من هذا المكان ، بشرط أن لا يتجاوز أفراد تلك القبيلة أربعة من الطائيين ، مع ذكر دليل يستأنس به ..ثانيا: المنطقة التي جمعتُ منها عينات اللهجة هي الجبال الشرقية لمنطقة جازان ، باستثناء جبل رازح باليمن الذي زرته 1419هـ وهي صغيرة جدا على الخارطة ولا تشكل هذه النسبة ، فيتوهم القارئ أن هناك عالم مجهول شاسع مترامي الاطراف وأنه كان أول باحث يتجشم عناء اكتشافه ..ثالثا: قوله أعلاه (فهذا يعني أن مانسبته تسعين بالماءة مما ذكر لم يبحث ولم يصل إليه أحد من أولئك الرحالة ، لأنه لم يذكر في كتبهم وبحوثهم ) فهذا كلام غير دقيق ، حيث زار تلك الجبال المستشرق البريطاني واسع الشهرة (هاري سانت جون فيلبي ) سنة 1948م وكتب عنها وكان أول من التقط لها صورا في التاريخ ، وقد ضمن رحلته تلك كتابه (المرتفعات العربية ) الذي صدر في الستينات باللغة الإنجليزية في مجلدين ، ثم ترجمته ونشرته مؤخرا مكتبة العبيكان .. فإذا لم يكن عصيا أومنيعا على الرحالة المستشرقين، ولهذا فقد شملت رحلته تلك كل المناطق الجبلية التابعة لمنطقة جازان ،كديار بني الغازي ، وجبال فيفا ) وجبال بني مالك ، كل هذا ومازال الرفاعي يدعي سبقا أحرزه ـ على اعتبار أنه استكشف ، وجال ، وبحث ـ ومرد ذلك لعدم اطلاعه على تاريخ منطقة جازان ، قديمه ، ووسيطه ، ومعاصره .رابعا: قوله : ( بل لا أبالغ إن قلت إن أكثر مواقعها الى قبل عشر سنوات من الآن صعبة المنال إلا لأهلها ، حتى أن المعلمين الذي يوجهون إليها للتدريس بها ، كانوا لا يستطيعون الصعود إلى أكثر مواقعها إلاّ بواسطة الحبال التي تدلى إليهم من أعلى الجبل ومن ثم يسحبونه إلى أعلاه) ص 23هذا كلام يؤكد حقيقة واحدة ، وهي أن الرجل لا يعرف عن هذه الجبال شيئا إلا ما ينقل إليه من روايات ألبست بأردية الخرافة والتلفيق يتجلىَّ بوضوح لا لبس فيه ، في قوله إن ارتياد هذه الجبال لا يتم إلاّ بواسطة الحبال التي تدلى من أعلى الجبل لمن يرغب الصعود ثم يسحبونه إلى أعلاه ..هذا كذب وتزوير في مادة علمية ، وهو تدليس من لم يزرها على الاطلاق..وقوله: كانت أكثر تلك الجبال منيعة المرتقى حتى قبل عشر سنوات ، مضحك لربات الحداد !!فعلى إي مرجع يتكئ في تقريراته ؟ لا شيء . ثم يستأنف : ( لذلك كانت عزلة مواقع هذه المنطقة ، وحفظ الله تعالى لها ، من أن يصل إليها أحد من أولئك الرحالة المستشرقين وتلامذتهم ، كان خيرا لهذه الأمة ـ العربية ـ ولسانها ، إذ لو وصل إليها أولئك الرحالة لضاعت كل معالم الهوية العربية عن أولئك المهاجرين لكن إرادة الله تعالى غالبة) ص23 قلت: لقد وصلوا إليها ولم يحدث شيئا مما تنبأ به الباحث !! ، ولعله كان يعتقد ـ عن طريق بحوثي ـ أنه السباق الى فيفا والجبال المحيطة بها ، نعم لقد وصلوا إليها ولم يذكروا أنهم ارتقوها بواسطة الحبال ، كما أشار الباحث ، لكنهم بالتأكيد قد سبقوا الرفاعي لارتيادها بستين عاما ، ولعل تلك الجبال كانت حينها أكثر سهولة وطواعية !!. وتأمل عبارته : إذ لو وصل إليها المستشرقون لضاعت معالم الهوية العربية عن المهاجرين!! . نعم لقد كان المنقذ لها من الضياع !!.تم يستأنف: (أما الأجزاء التي وصلو إليها فقد كان أغلبها : إما صحراوية كثيفة الرمال ، يصعب تعمق مسحها كاملة ، عدا بعض اطرافها ..وأما سهلية لا توحي ـ لغير أهلهاـ بأي فائدة تكون ذات أهمية كبيرة لما يريدونه ، لذلك كان ما أخذ منها ـ جميعا ـ ليس ذا قيمة كبيرة ولكنهم مع ذلك حرفوا وبدلوا فيه حتى جعلوا منه هالة كبيرة لما أرادوا ، لهذا تكون هذه المنطقة ـ التي أشرنا إليها ـ هي ذات جذب شديد لدارسي تأصيل العربية وتاريخها الكبير الذي ظل محتكرا بأيدي أولئك الرحالة يظهرون ما يلائمهم ويخفون ما يريدون إخفاءه حسب متطلباتهم ) ص 23ـ24قلت :أولا: لم ينصف أولئك الرواد ،ولا ألومه على الاطلاق لسبب بسيط وهو أنه لا يعلم قدرما قدموه للعلم والمعرفة الإنسانية إلاَّ من اطلع على جهودهم السباقة ، في مجالات عدة ومنها مانحن بصدده هنا وهوالبحث الأثري والتاريخي وما جمعوه من النصوص المسندية، وما حفظوه من المخطوطات النادرة ، وما أخرجوه ونشروه من دراسات أمينة صادقة ، منذُ رحلة العالم الجليل كارستن نيبور 1765م وصولا الى هاري سانت فيلبي ، وهذا الأخير قام بجولات متعددة في جنوب الجزيرة العربية..وأخرج مصنفات عدة لرحلاته تلك وترك تراثا حافلا لن يقدره حق قدرة إلا من قرأه ، وليس الرفاعي منهم على أي حال.ثانيا: عندما يؤكد الباحث في عبارة عائمة تقول : ( لذلك كان ما أخذ منها ـ جميعا ـ ليس ذا قيمة كبيرة ولكنهم حرفوا وبدلوا فيه) ليوهم القارئ أنه بهم عليم، وقف على ماكتبوه ، وحرروه ، وهو في الحقيقة لا يعلم عنهم ولا عن أبحاثهم شيئا ، ولكنه يرسل مثل هذه العبارات في التمهيد وكأنه سيتناول بحوثهم ومؤلفاتهم بالنقد والتمحيص ، لتفاجأ أن فصول بحثه لم يرد في متنها أو هامشها ما يشير إليهم من قريب أوبعيد ..فتعجب لهذا الاستعراض الذي اكتشفته منذُ الكنعانيين،ثالثا: أرجو أن تراجعوا عبارته هذه جيدا ..وهذا رجاء (لهذا تكون هذه المنطقة ـ التي أشرنا إليها ـ هي ذات جذب شديد لدارسي تأصيل العربية وتاريخها الكبير الذي ظل محتكرا بأيدي أولئك الرحالة يظهرون ما يلائمهم ويخفون ما يريدون إخفاءه حسب متطلباتهم ) ..لعلكم اكتشفتم شيئا ؟ وهوأن الرحالة متهمون من قبل الرفاعي ، الذي سيعيد الامور الى نصابها . ويقول: (وإذا كان اللحيانييون والثمودييون (هكذا ) كانوا ينطقون كلمة "بيت" "بت" فقد وجدنا في النقوش المكتوبة على صخور الكثير من مواقع هذه المنطقة ـ التي نتحدث عنها ـ هذا النطق نفسه) ص29قلت: ها هو يعاود القول بوجود النقوش المسندية ، التي عثرعليها مدونة على صخور الكثير من المناطق الجبلية مدار بحثه ، بل ويصفها بالكثرة ، مؤكدا تطابقها مع اللهجة .. وعندما نفتش المتن والملاحق ، فلا نجد به شيئا من تلك النقوش الكثيرة ..أما السبب الذي دفعه إلى عدم نشرها فمرده إلى أنه لا وجود لها البتة ، وإنما يفتعل في التمهيد مثل تلك الأدلة والوثائق في عبارة الواثق مما يقول ، حتى إذا ما بلوناه ، سقط وتهافت ولم ينجح . وقبل أن نغادر التمهيد دعوني أنقل لكم نصا طويلا يشف عن منهجه في التحقيق إذ يقول:(فالمدينة التي وردت في كتب التاريخ باسم (خيوان) وأشاروا إلى تحديد موقعها بجنوب جزيرة العرب ، نجد من خلال الوصف الذي وصفوا به موقع تلك المدينة ، نجد أنه لا يخرج عن طبيعة أرض المنطقة التي نتحدث عنها وجعلناها ميدانا لبحثنا هذا ..بدليل أن بهذه المنطقة ـ إلى الآن ـ مدينة تعرف باسم مدينة (خيران)..ورب قائل يقول : إن المدينة التي جاءت في كتب التاريخ كانت تعرف باسم (خيوان ) وما أشرت إليها هي (خيران) ، أي أن الحرف الثالث باسم تلك المدينة هو: (الواو) والثانية حرفها الثالث هو: (الراء) ، وهناك فرق بين الحرفين..فكيف توفق بين ذلك؟ ...وجوابي : لا أستبعد أن هناك تحريفا قد وقع من قبل النساخ ولم ينتبه له أحد لبعد هذه المنطقة عن المؤرخين أنفسهم ..فكيف بأمر النساخ الذين لا يعرفون شيئا غير النسخ ..هذه ناحية .. وهناك ناحية ثانية تتمحور فيمن نتقل عنه رواة التاريخ اسم تلك المدينة ، إذ ربما الذي نقل عنه الرواة كان لسانه ـ لهجته ـ تنطق حرف (الراء) (واوا) وهذا كثير في بعض مواقع هذه المنطقة : نتيجة سرعة النطق...إلخ وعلى حسب ما سمعت عنه دونته ...وهذا كثير جدا ، بل قد أشار التاريخ إلى مثل هذا التبديل على ألسنة الكثير من القبائل التي رحلت من هذه المنطقة قديما، وربما العكس ، إي أن الأصل هو (الراء) ـ خيران ـ والنساخ عكسوا ذلك..بدليل أن في هذه المنطقة وإلى الآن مدينتان تعرفان بهذه التسمية خيران والثالثة موجودة داخل جنوب اليمن بهذه التسمية نفسها .. كذلك مدينة (خياية) التي أشار لها التاريخ بأنها في جنوب جزيرة العرب ، ولم يحدد مكانها ، هي في الحقيقة مدينة (الخوبة) والتي تقع في حزون هذه المنطقة ـ أي أسفل جبل رازح ـ داخل الحدود السعودية ، والأخرى على ساحل البحر الأحمر التابع لهذه المنطقة ـ داخل حدود اليمن ـ وتلاحظ أنها تنطق الآن ـ الخوبة ـ بالواو وأوردها التاريخ بالياء والألف ، وهذا لا يعني ـ عندي ـ اختلاف بين الإسمين أدى إلى اختلاف المسميين ، لأن قلب (الواو) إلى (ياء) موجود في لسان العرب بكثرة ، وهذا يعني أن النساخ هم من فعل ذلك حسب نطقهم اللساني ) ص34قلت : أولا: أي نسّاخ هداك الله ؟ وعن أي شيء تتحدث ؟ (خيوان ) ابحث عنها بمحافظة عمران ، فقط اسأل عن( قاع خيوان ) وسيدلونك عليه بسهولة وهناك تأكد من سلامة نطق حروفها من سكانها دون هذا العناء ولزوم ما لا يلزم ، ويكفي أن يشهد لك من أهلها من ترى عدالته ، وإن فاتك المكان لبعده ومشقة السفر ، فتناول صفة جزيرة العرب للهمداني وافتح ص 97وستجدها هناك ، (خيوان) ودعك من تكهن اسمها وضرب اخماس في اسداس لتحقق حروفها وموقعا ..فلعله سبقك اليها الهمداني قبل ألف ومائة سنة!! كما سبقك المستشرقون إلى فيفا وبني مالك بثلاث وستين سنة..ليس ذلك فحسب بل كل من جاء بعده من البلدانيين ستجدهم جميعا يقولون ( مخلاف باليمن ومدينة ) ، ورجاءً دعك من احراجنا بين خلق الله ، فيقولون هاهوعالم جازان وباحثها يحقق اسم (خيوان) ولم يطلع على أعلامها ومشاهيرها منذُ القدم وعبرالعصورالإسلامية المختلفة ، حتى العصر الحديث.. على سبيل المثال : هذا مسلمة بن يوسف بن مسلمة الخيواني من قراء المسند وهو من رجال الهمداني في الاكليل ، ومنهم التابعي عبدالله بن مرة الخيواني .. وانظر سير أعلام النبلاء للذهبي ، واعلم بأن الناس مؤتمنون على أنسابهم ، فخيوان جد جاهلي ، فاهل المخلاف والمدينة ينسبون له، فأرح نفسك من هذا التحقيق العجيب قال : (كانت تعرف باسم (خيوان)!!! بل ما زالت أيها الباحث المدقق!! ثانيا: (خياية) هكذا في الأصل! لا وجود لها ، أما جهده في تحقيقها فلا يحتاج إلى تعليق بل إلى تأمل !! فلا حول ولا قوة الا بالله ..في أواخر التمهيد يقول: ( ومن خلال زياراتي الميدانية وترددي على مواقع هذه المنطقة الجميلة التي استمرت عشرون عاما ، وما عانيت خلالها من صعوبات ومصاعب خطيرة واجهتني خلال تلك الزيارات الميدانية سواءً أكانت من وعورة الطرق الموصلت لتلك المواقع التي كنت ـ في كثير منها ـ لا أتوقع رجوعي إلى أسرتي سالما) ص35قلت : أثابك الله ونفع بما قمت به من عمل سيظل حديث الخاصة والعامّة لأجيال متلاحقة ..
(6)ليس من الإنصاف أن أنطلق في قراءة متن الكتاب ، اعتبارا من الحلقة المقبلة، دون أن أعطي القارئ الكريم فكرة مبسطة عن غاية هذا البحث ، وسعي المؤلف لتحقيق الفكرة التي اعتنقها وآمن بها ، وكيف أننا سنجده يركب كل صعب وذلول من أجل إقناع القارئ بسلامة استنتاجه ، وصحة ما ذهب إليه مهما كلفه ذلك من : 1ـ رد تقريرات أهل العلم ، 2ـ تأول النصوص 3ـ التدليس البين 4ـ الكذب وافتعال الأدلة . وقد يدهش المتابع لهذه المجازفات الخطيرة ، التي قد تأتي على تاريخه المعرفي إن كان ذا تاريخ ، لكنه في الحقيقة كان يعتقد أن الأمر سيمر بسلام ، دون أن يتنبه له أحد ، طالما وهو لا يطبع كتبه في المملكة ، وليس لها ذلك الانتشار الواسع الذي يجعلها تحت المجهر ، أما لماذا كل تلك المجازفات فمردها للأسباب التالية: 1ـ حصوله على مبحث صغير في فقه اللهجات يحاول اثبات عربية المسند وانتمائه إلى (الضاد) دراسة مقارنة بين لغة النقوش ولهجة فيفا لمحمد بن مسعود الفيفي. 2ـ معجم للهجة فيفا .3ـ مبحث صغير في الضمائر وأسماء الاشارة في لهجات عرب الجنوب ، 4ـ استماعه للهجة غريبة لم يفهمها كما قرر وحرر ثم اطلاعه عليها ثانيا من خلال بحوثي .لقد كانت ردة فعله الأولى حيال لهجة فيفا إن هي إلاّ (العبرية) بشحمها ولحمها!! ، فذهب يتخرص ويضرب أخماسا في أسداس ، رغم اسهابي الشديد في شرح هذا اللبس العجيب الذي وقع فيه ، وأشرت إلى موضوع تدوين اللغة ، الذي كان سببا في هذا الفهم الخاطئ من أبي عمرو بن العلاء ، وهو ما وقع فيه أيضا الدكتور كمال صليبي ، وكنت أعتقد أن الرجل فقه عني هذا الأمر ، غير أنه في الحقيقة لم يستوعبه ، بل ذهب من خلال هذه اللهجة ليثبت ليس فقط عربية المسند ـ كما هو أصل بحثي المشار إليه ـ وإنما عربية اللغات السامية قاطبة ، وهي العبرية ، والسريانية ، والحبشية ، معتقدا أنه وضع يده على مطية فارهة ، ستوصله إلى اثبات ذلك بأمان ، كما اعترف هو من قبل بأنني كنت مسخرا له من ولي المؤمنين ، ولو أنه التزم الخط الذي رسمته لذلك البحث ، لكان سبق به القاضي محمد بن على الحجري ، فكتابه لم يصدر إلاّ في 2005م ، ولكنه امتطاه دون أن يشير إلى كلمة واحدة مما ذكرته بخصوص المسند ، وهو ما أكد لي سوء طويته ، وتهافت منهجه وضعف أمانته العلمية ، لكن كيف يستطيع اثبات نظريته تلك؟؟ (عبرية لهجة فيفا) !!فإذاً يستطيع المتابع الكريم المضي معي في نقاش متن بحثه هذا من خلال الإضاءة السابقة ، ويتكون المتن من ثمانية أبواب ألمحنا إليها ، كلها تسعى لأثبات عربية العبرية ومقارنتها بلهجة فيفا، التي عقد لها أكثر من مبحث واستهلكت أغلب صفحات الكتاب ، يقوده في ذلك جهل شديد باللغة وفقهها وخاصة منها اللهجات ، وليس للرجل أي نوايا سيئة على الاطلاق كما قد يتبادر للذهن ، انطلاقا من لوحة الغلاف التي جعل فيها الأبجدية العبرية تحيط بحرف العين في الأبجدية العربية ، نعم استطيع التأكيد بأنه خلو من المقاصد السيئة وإنما كان ذلك لجهله ، وقلة معرفته فحسب ، لكنه انطلق للبحث من خلال ذلك التصور وهو عبرانية لهجة فيفا .أما لماذا علمنا أنه لا يقصد سوءً ؟ فمرد ذلك إلى ما سنكتشفه من تحايل والتفاف بريء حينما يعقد فصلا للمقارنة بين لهجة طي والعبريةا !! ، بعد أن علمنا أن طي جعلها تهاجر من فيفا بحسب ما سنرى !! ، مما اضطره للتدليس بشكل سافر في لهجة فيفا فجعل عدد حروفها (22) حرفا ، مدعيا أنني من قرر ذلك والله يعلم إنه افتراه من عند نفسه ولكن تحت الاكراه، لتتوافق عدد حروفها مع عدد حروف اللغة العبرية وهي (22) حرفا ، وسيدهش القارئ لكثرة العناوين التي خصصها للنسب العبراني ومقارنة لسانه بلهجة فيفا ، بشكل كاد أن يطغى على المباحث الأخرى بل ومالت الكفة العبرية ، ورجح ميزانها بصورة ملفتة أنظر:1ـ كنعنة العبرية 2ـ من أدلة كنعنة العبرية3ـ من طرق نطق الشين والسين4ـ العبرية وموقع عبر5ـ شعب وبار والعبريين6ـ من شواهد الربط بين عبر ووبار7ـ عروبة قبيلة عبرة .8ـ مدلول اليهودية في العبرية بين العربية والعقيدة .9ـ نبي الله هود ومصطلح اليهودية10ـ لم حاولوا (اليهود) التنصل من نسبهم العربي ؟11ـ لمحة عن إسرائيل وبني إسرائيل.12ـ النسب الإبراهيمي بين التاريخ واستقراء العقاد13ـ البداوة الأعرابية في العشيرة الإبراهيمية14ـ القرآن الكريم وبداوة العشيرة الإبراهيمية15ـ القرآن الكريم والنسب الإبراهيمي16ـ قاعدة الشبه في النسب بين ترسيخ الشرع ودعم العلم17ـ تحديد مكان انطلاق الدعوات السماوية ودلالته على عروبة الأنبياء والرسل.18ـ حقائق التاريخ بين التجني والسكوت.19ـ العربية وعصر إبراهيم.20ـ لسان صاحب الدعوة.21ـلغة القرآن الكريم هي لغة إبراهيم وذريته22ـالعبرية والحركات23ـ العبرية والضمائر وعبار وآبار.24ـ الضمائر بين العبرية ومنطقة البحث.25ـ أسماء الإشارة والموصولة بين مواقع البحث والعبرية وأخواتها.26ـ مع الحروف (عربية ـ حروف العبرية)..وفي المقابل نجد السريانية ، احتوت على ثلاثة مباحث هي:1ـ ماهي السريانية؟2ـ العقاد ومراجع ملة الصابئة.3ـ هل السريانية لسان عربي.أما الحبشية وهي اللغة الرابعة من هذه المنظومة السامية فلم يعقد لها فصلا أو عنوانا في كتابه .وبعد هذا يمكننا الولوج سويا إلى مصنفه هذا واستقراء مباحثه بتأن وفقا للخارطة المشار إليها..والسؤال : هل سينجح عبدالرحمن الرفاعي في (عَبْرَنةْ ويهودة) لهجة فيفا؟ .
(7)الفصل الأول تقدمت الإشارة إلى هدف الباحث وهواثبات العلاقة الوطيدة بين العبرية ولهجة فيفا، وعلى ذلك الأساس ستسعى فصول الكتاب لدعم وتأكيد ماذهب إليه ، وبناء على ذلك جاءت عناوين هذا الفصل ، الذي بدأه بنقاش قضية وحدة الجنس البشري والموطن الأول . ومن خلاله لا بد أن تكون الجزيرة العربية واللسان العربي ، هما الموطن الأول واللغة الأولى، ومن جزيرة العرب كان لابد أن يكون ذلك الموطن الأول هو جنوبيها بالتأكيد ، ومن جنوبيها ـ بالطبع ـ لابد وأن تكون ( جبال منطقة جازان ) منطلقا للهجرات الأولى والمتلاحقة للبشرية على مر التاريخ !! ولا يحسن بنا أن نتساءل : كيف توصل إلى هذه الحقيقة المذهلة ؟ وإنما يجب أن يكون السؤال : لماذا توصل إلى هذه التخرصات العجيبة ؟ وحينئذٍ سيكون الجواب : إنها(لهجة فيفا) التي يصر على التقائها مع اللغة (العبرية)! مهما كلفه ذلك من تجشم العقبات المهلكة ، ولزوم مالا يلزم ، يقول:(هذه الأمم كما كانت عند بداياتها [أمة واحدة] ، ستكون عند نهاياتها [أمة واحدة]، أي أنها كما كانت في بدايتها جنسها واحد، ذات لسان واحد، وبرسول واحد عندما أخذت بعض الانحرافات تتسرب إلى فطرتها التي فطرت عليها نحو خالقها، كذلك ستكون عند قرب نهايتها، أي برسول واحد خاتم، وبرسالة واحدة خاتمة، وبلسان واحد به يخاطب الجميع وإن اختلفوا ـ ظاهرا ـ لما سيسبق ذلك الرسول من توحد لكل الألسن المختلفة لتصبح لسانا واحد يكون لسانا لذلك الرسول، الذي سيصبح لسانه لسانا لكل من سيتبع رسالته، لأن لسان هذا الرسول هو في الحقيقة اللسان نفسه الأصل الذي كانت عليه كل تلك الأمم عندما كانت واحدة، وقد حصل هذا بمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته ـ الإسلام ـ ) ص42 قلت:هذا ما خلص إليه بعد إيراده للآيتين : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ......) والآية : (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .....) وبغض النظر عن الركاكة الشديدة التي تعتري أسلوب الباحث في عبارته أعلاه ، إلا أن تلك الأقوال والتقريرات لا تنطق بهما هاتان الآيتان ، كالقول بأن اللغة الأولى هي العربية ، وأن الرسالة الخاتمة جاءت بلسان الأمم التي اعتنقتها ، هذا غير صحيح فلقد بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم للناس كافة قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ومعلوم كم من أمم الأرض دخلت في دين الله أفواجا رغم اختلاف ألسنتهم ..قال تعالى (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) فلم يكن اختلاف الألسن عائقا للإهتداء بالنور والضياء لخاتم الرسالات ..وعندما يقول أعلاه: (لما سيسبق ذلك الرسول من توحد لكل الألسن المختلفة لتصبح لسانا واحد يكون لسانا لذلك الرسول )، لا حول ولا قوة إلا بالله !!..إن هذا الكلام يقتضي : أن تكون ألسنة (الناس كافة) عربية فصيحة عند بعثته صلى الله عليه وسلم ، ولا تحتمل هذه العبارة معنى آخر..فلقد تساءل في مكان سابق بقوله:(هل كان اللسان الذي تتحدث به البشرية في بدايتها ـ قبل تفرقها ـ هو لسان موحد بصرف النظر عن كونها سامية أو غير سامية ؟؟...)ثم يضيف بعدها بأسطر(وإذا قلنا بوحدة اللسان بداية ألا يعني ذلك وحدة الأمة التي كانت تتحدث بذلك اللسان؟؟)ص 37قلت:لقد اصطدم بأقوال أهل الشأن، حول السامية ، (لغة سام بن نوح) وكيف تفرعت إلى لغات عدة، عبر ما أطلق عليه عائلة اللغات السامية وكيف نشأت اللهجات عن تلك الألسن، فنراه يقول: بصرف النظر عن كونها سامية أو غير سامية؟؟ فهو هنا يقفز على تقريرات أهل الاختصاص في علوم اللغات السامية ، الذين نقل عنهم جوجي زيدان ومن جاء بعده إذ يقول: ( اصطلح المؤرخون في هذا العصر أن يسموا الشعوب التي تتفاهم بالعربية والعبرانية والسريانية، والحبشية والتي كانت تتفاهم بالفينيقية والآشورية ولآرمية " شعوبا سامية " نسبة إلى سام بن نوح" لأن هذه الأمم جاء في التوراة إنها نسله ، وسموا لغاتهم ، اللغات السامية ، ولا خلاف في أن هذه اللغات متشابهة في ألفاظها وتراكيبها وأنها من أصل واحد يسمونه "اللغة السامية"ص43 ـ العرب قبل الإسلام ـ ) ..لا بأس ! فهذا مرجع قديم ، اعتمد على مراجع قديمة أيضا أحدثها كان (old treatment and semitic studies) الذي طبع بشيكاغوا سنة 1908م ،ولكن كل من جاء بعده لم يتجاوزوا ما نقله بشأن السامية ، وبما أن الرفاعي قد نقل عن الدكتور جواد علي من موسوعته الشهيرة (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) بل ويحيلنا إلى إحالات المفصل ، هذا الاستطراد مرده أن الباحث قد تجاهل المصادر الرئيسية والهامة لمبحثه هذا ، وسنؤجل الحديث عنها إلى ختام القراءة التي نحن بصددها، وأعود للقول : ليس بالجديد ما يلف ويدور حوله من وجود صلة مّا بين لهجة فيفا ـ أوأي لهجة عربية أخرى ـ وبين اللغة العبرية ،أوالسريانية، أو الحبشية، فهذه اللغات تنتمي إلى اللغة السامية الأم ، لكن الرفاعي قرأ التمهيد لبحثي الذي أسماه: لهجات فيفا ، أما أنا فقد اسميته ـ لدى قسم فسح المطبوعات بتبوك ـ عام 1413هـ (فيفاء لمحة ـ تاريخية ـ أدبية ـ شاملة ـ ) قرأ ما سقته حول عربية المسند السبئي في قولي: ( وما تزال تعج هذه اللهجة ـ أعني لهجة فيفا ـ بالكثير من المفردات أمثال " كابة " و "عرمن " ومن الحروف عد ـ حك ـ "الواردة في نقش الملك شرحبيل بسد مأرب ، وغيرها من الأفعال كـ "أجمو" و"استودو" ، الواردة في نقش خولان بصعدة ، مما يعني عربيته وفصاحة لهجاته ويمكننا من خلال هذه اللهجة إثبات ذلك )..... ص6ـ فيفاء لمحة تاريخية أدبية شاملة ـ مخطوط / لمحمد بن مسعود الفيفي..) وبما أن المسند السبئي حينها ما يزال تحت تصنيف اللغات السامية ،أي سنة 1992م عندما كتبت ذلك التمهيد وعموم مباحث الكتاب ، إذ اعتقد بموجبها ـ جهلا ـ أنه عثر على حلقة مفقودة تمتد لعموم اللغات السامية التي اعتبرها لهجات عربية ، كما اعتبرت من جانبي أن المسند لهجة عربية !! واستشهد بنفس الشاهد ألا وهو: لهجة فيفا ، غير أن المفاجأة خرجت على هيئة كتاب ضخم في عام 2005م حمل العنوان ( لغة الضاد ونقوشها المسندية ) ، للعميد القاضي محمد علي أحمد الحجري ، في مجلدين قيل عنه : (......ويعد كشفا علميا غير مسبوق إذ تضمن في تفصيلاته ردا على المستشرقين ومن سار على نهجهم لا سيما أولئك الذين لم يستطيعوا أن يتوصلوا إلى تفسير ظواهر صرفية ونحوية في الفصحى بموازنتها وما ورد في النقوش التي كتبت بخط المسند فضلا عن ادعائهم أن لا صلة بينهما ) لغة الضاد ونقوشه المسندية ، ج1 ص2 من خطاب الدكتور / سعيد جاسم الزبيدي لرئيس جامعة صنعاء.قلت: لقد كان في مقدور الرفاعي أن ينوه عما سقته في هذا الصدد، ولعل ذلك سيشفع له عند من يعتقد في حسن نواياه ، ولكن في حقيقة الأمر ليس هذا ميدانه ، على كل الأصعدة ، وهنا أعود مرة أخرى فأقول : بعد أن قفز على أقوال أهل العلم ، حينما تحدث عن الهجرات السامية جاء ليقول:(والحقيقة أن المهد الأول الذي انطلقت منه تلك الهجرات هي في قول من ذهب أنها جزيرة العرب ، وخصوصا جنوبها لأسباب كثيرة تدور حولها هذه الدراسة) ص 44قلت:ليس قوله هذا بناءً على أقوال راحجة أوأدلة علمية دامغة، إذ أن آراء المؤرخين بشأن الهجرات الأولى ومنطلقاتها مازالت رجما بالغيب ،ودون أدلة ثابتة فلم يتم تحديد مهد الساميين أولا ، والذي من خلاله يمكننا معرفة المنطلق للهجرات السامية ..ومن ضمنها الفينيقية والكنعانية ..وانظر على سبيل المثال كيف يرد على ترجيح أماكن انطلاق الفينيقيين من منطقتي عمان وصور ، في قوله:(إذن فالانطلاقة الأولى لم تكن من عمان وصور بل كانت من بلاد اليمن لأن عمان نفسها من مجموع بلاد اليمن ) ص49قلت:يريد هنا أن يجعل الانطلاقة مكان آخر يقصده الرفاعي معتسفا النصوص ، وينقلها كما فهمها بالتأكيد، و لديَّ في فهمه هذا نظر ..فنراه في ص44 ، يضع اسم المستشرق (نولدكة) بين حاصرتين مع كاف التشبيه هكذا (كنولدكة) معتقدا إن هذا اسمه، ثم يفتح قوسا آخر لينقل ما أورده الرجل وعند نهاية الاقتباس يقفل القوس ..ولكن دون أن يضع حاشية ..لأنه نقل النص وأطره كما فعل صاحب المرجع الذي ينقل عنه والراجح أنه اسرائيل ولفنسون ..انظر:(ومن المستشرقين أنفسهم ، (كنولدكه) الذي راح يعارضها معارضة شديدة بقوله : (... ومن العبث أن تعتمد في إثبات حقيقة كهذه على جملة كلمات وليس هناك ما يثبت لنا أن جميع الساميين أخذوها عن أهل العراق) ثم قفل القوس ، ويعلق ص 44قلت:أما الحقيقة التي كان يعارضها فهي كون مهد الساميين جنوب العراق ..وبالمناسبة فهوصاحب كتاب " تاريخ القرآن " واسمه (ثيودور نولدكه Theodor Noldeke (1836-1930) الذي ولد في هامـبرج في 2مارس 1836م ودرس فيها اللغة العربية ودرس في جامعة ليبزيج وفينا وليدن وبرلين. عيّن أستاذاً للغات الإسلامية والتاريخ الإسلامي في جامعة توبنجن، وعمل أيضاً في جامعة ستراستبرج. اهتم بالشعر الجاهلي وبقواعد اللغة العربية وأصدر كتاباً بعنوان ’مختارات من الشعر العربي‘ من أهم مؤلفاته كتابه ’تاريخ القرآن‘ نشره عام 1860 وهو رسالته للدكتوراه وفيه تناول ترتيب سور القرآن الكريم وحاول أن يجعل لها ترتيباً ابتدعه. ذكر عبد الرحمن بدوي أن نولدكه يعد شيخ المستشرقين الألمان.) توفي قبل 79 عاما ..عن موقع (موسوعة المستشرقين).ثم ينتقل الرفاعي لمبحث آخر في نفس الفصل تحت عنوان (مع الفينيقيين ) ..أفتتحه بوابل من التدليس الذي درج عليه ، متسائلا هل نزح الفينيقيون من جزيرة العرب؟ ثم يجيب : بأن الشاهد على صحة ذلك لسانهم الذي يؤكده اللفظ (فينيق) و(فينيقيين ) ومدلوله الذي مايزال في لسان المهرة الجبالية ..فيقول:( وحول هذا يشير أحد الباحثين في لهجات جنوب جزيرة العرب ، وخصوصا الجبالية والمهرية منها بقوله " إن لفظة فينيق تعني في اللهجة الجبالية [مستكشف...ومستكشفين] ولذلك يرى أن الأفواج الأولى التي خرجت من جزيرة العرب عندما أرادوا أن يعرفوا بأنفسهم قالوا نحن فينيقيون إي مستكشفون للأماكن ..بدليل أن كلمة فينيق في الجبالية تعني أيضا: الشخص الذي يذهب لاستكشاف المراعي الجيدة] وهذا يعني أن الأفواج الأولى ........) ص46قلت :هكذا فتح القوس دون أن يغلقه أو يشير إلى ذلك الباحث في لهجات جنوب الجزيرة ..فخلت هذه الصفحة تماما من إي هوامش، وكذلك التي تليها، صفحة 47 ..أما لماذا لم يشر للباحث ؟حينما راح يمزج مباشرة بقوله : ويرى أن الأفواج ...فلا تستبين من الذي يرى ذلك ؟ إنه التدليس.. فلقد توجهت بسؤال إلى أحد أبناء هذه اللهجة وهو الأستاذ أحمد العمر الحكلي ( من ظفار بسلطنة عمان الشقيقة ) حول كلمة (فينيق) فكان جوابه: (فينيق) ليس لها معنى في لغتنا الجبالية، اما كلمة [فُنوق] (قاف يمنية) فمعناها استكشاف او استطلاع ، (فُنق) معناها الرئيسي اسكتشاف منطقة بعد المطر بحثا عن الماء والكلا ،ونستطيع أن نمثل للكلمة في عبارة تامة فنقول: [فُنق حيط ] . فكلمة [فُنوق ] تعني (استكشف) أما كلمة [حيط] فتعني [الارز] وعلى هذا النحو فيكون معنى جملة: [فُنوق حيط] في الجبّالية [تذوقَ الارز اثناء طبخها ليعرف هل نضجت ام لا ؟]وفُنوق تعني استكشف او استطلع او ما شابه ذالك ، و[فينق] أو [فِنق] تصريف ثالث لكلمة [فُنوق] على سبيل المثال فعل ذهب في العربية تصريفه الثالث ذهاب) انتهى رده ..فهل ترون أثرا لكلمة (فينيق ) أو (فينيقيين ) ؟؟ لا ....لكن الرفاعي دلّس كعادته ولم يكن أمينا في النقل ولذلك أعرض عن ذكر الباحث والمصدر الذي نقل عنه ما أورده بشأن كلمة (فينيق) التي تبين لنا عدم وجودها في اللهجة الجباّلية كما أشار صديقنا الخبير باللسان الجبالي كونه لسانه، ثم صاحب اهتمام كبير بخواصه اللغوية الدقيقة. ـــــــــــ






0 التعليقات:

إرسال تعليق

:: مدونة إيقاعات سحابة عابرة، جميع الحقوق محفوظة 2010، تعريب وتطوير مكتبة خالدية::