إيقاعات سحابة   ..إيقاعات سحابة عابرة...   .. لهواة التذحيج : ـ هل سبق أن ذُحِّجَ بك من قبل؟ ـ نحن على استعداد تام للتذحيج بك وفق إمكانيات هائلة سُخّرت من أجل عملائنا الكرام، فقط اتصل على هواتفنا المبينة في هذا الإعلان واستمتع بتذحيجة العمر.   ....إيقاعات سحابة عابرة   ..نرحب بالكتابة لغة الياسمين ضيفة إيقاعات سحابة عابرة في اللقاء الذي سينشر قريبا بحول الله .   . إيقاعات سحابة عابرة...    ..   إيقاعات سحابة عابرة    ..   إيقاعات سحابة عابرة   .. ترحب بزوارها الكرام.. حللتم أهلا ونزلتم سهلا...  إيقاعات سحابة عابرة      إيقاعات سحابة عابرة    للتذحيج العصري إعلاناتنا . ــ هل سئمت أجدادك وترغب استبدالهم بكبسة زر ؟ نحن نستشعر معاناتك دوما .. فوضعنا خبرتنا في مجال التذحيج بين يدي عملائنا عبر القارات . اتصل بنا الآن لتحصل على خدمة إضافية . ...
Loading...

أيام في الطائف

أيام في الطائف ..
**للطائف المدينة الحجازية الشهيرة مكان في الوجدان لا يماثلة مكان ..ذكريات وذكريات وأيام أيام..كانت حافلة بالنقائض بين انتصارات وهزائم ..وتلك الأيام نداولها بين الناس..وهنا لفت انتباهي موضوع (شيء من الصداقة) للأخ الصديق الفاضل علي بن عبدالله العصيمي..الذي حرك في النفس حنينا لتلك الأيام الخوالي وما انطوت عليه من القصص الجميلة التي لا تخلو من المقالب الهزلية بين الأصدقاء ..والمواقف الطريفة التي لا تخلو من النكتة والبسمة ..وسوف استعرض جملة مختارة أجد الحديث عنها شيقا بالنسبة لي ..فإن لمس القارئ بين تلافيفها شيئا من المتعة والطرافة فذلك هو المقصود ..
(الزوجة الثانية..!!)
**وذات مساء شديد البرودة ..يصطلي القوس ربها !! كنا في نزهة مسائية خارج المدينة وتحديدا في منتزه وادي محرم فكان الحديث يدور عن الزوجة الثانية ..نظر إليّ صديقي قائلا : بالنسبة لك فأنا على أتم الإستعداد لتزويجك من زميلتي الدكتورة بقسم الدراسات الإسلامية وقد سبق أن لمحت لي عن المواصفات التي ترغبها ..وأجدك مناسبا بل أكاد أجزم إنها كانت تعنيك بشحمك ولحمك .. شاب في مقتبل العمر.. على خلق ودين وثقافة عالية ..وفقير جدا ومسحوق!! ولا تعارض كونك متزوجا ..فهي تمتلك عمارات ومحلات تجارية وستجعلك علي خزائنها أمينا قويا..أنت يا أخ محمد لن تفوت هذه الفرصة السانحة أليس كذلك؟قلت : ولكن ماذا عن سنها ؟ هل ما زالت فتية ؟ وما هو لونها ؟ وكيف جمالها؟ .قال: لم تتجاوز الخامسة والثلاثين ..وعن لونها وجمالها فلا أخفيك أنني لا أدري ولكن ما شأنك بذلك فلتتزوجها لمالها !!وأراك لم تفكر في الأمر جيدا كعادتك في اهدار الفرص دوما .. هيا قم فصل صلاة الإستخارة وابتهل إلى الله أن يكتب لك الخير..وهنا تداعت المجموعة على حثي للصلاة ..قائلين : نعم الآن يا أخ محمد يتوجب عليك أن تقوم وتصلي ..ثم تأتي لنبارك لك فالأمر في حكم المنتهي ..نهضت باتجاه الوضوء فناداني الصديق قائلا ..يستحب في صلاة الإستخارة أن تغتسل ..قلت :فالبرد قارس وقد أهلك أيها الأحبة ..قال لا تسبغه دع الماء يلامسك بخفة ..فامتثلت ..وأغلقت دورة المياه ونزعت ملامبسي الشتوية وعلقتها في مسمار جانبي وأوشكت أن لا أفعل لسطوة البرد الذي لفح جسدي لأول وهلة.. ولا ماء ساخن في هذا المكان .. وحتى أبدي جديتي لهذا الأمر أمام الأصدقاء فلابد مما ليس منه بد ..وبدأت أمسح جسدا مقشعرا بماء كالثلج يفعل في جلدي فعل السكاكين الحادة ..ولا منشفة حتى أجفف بها البلل عني وارتديت ملابسي فابتلت وخرجت أهتز وأرتجف كغصن في مهب الريح تصتك أسناني وتقرع في بعضها البعض ..فصليت لا أدري أي صلاة كانت وماذا قرأت وبأي دعاء تضرعت ..وأقبلت على القوم فتهللت وجوههم بشرا وهنأوني بلسان واحد ..غير أني لم أعد أستطيع الكلام لشدة البرد الذي تعرضت له ..هنا سقط الدكتور محمد بن عبدالرحمن الأهدل* من شدة الضحك وتهاوى إثره البقية ..لقد ضحكوا كما لم يضكو من قبل بينما أنا أهتز وأرجف متكورا في ركن قريب أتأمل حماقتي الشديدة التي أوشكت أن تهلكني ..فلا زواج ولا دفئ!! لكنه المقلب وحسب!! وكان صاحبه هو صديقي الدكتورالأهدل !! الأستاذ بكلية التربية في جامعة الطائف قسم الدراسات الإسلامية..
من عطايا الشعر!!
للطائف بيئته الخلابة المتميزة .. غير أن لمنطقة (الشّفا) ـ إلى الغرب منه ـ سحرها وجاذبيتها الخاصة حيث الينابيع المنسابة بين غابات كثيفة من أشجار العرعر السامق على بساط أخضر من نبات عطري فواح الشذى ..تغفو على جنباته مزارع الورد الطائفي الشهير..تحفه خلايا النحل التي تنتج عسل الشّفا المعروف بجودته العالية.. هذا المشهد يحيطنا ذات مساء صيفي من سنة1987م ..كنا مجموعة من الأصدقاء نستقل سيارة (الروز رايس) الفخمة يقودها رجل الأعمال الدكتور خالد بن عبدالمحسن التويجري وإلى جانبه الدكتور محمد الأهدل وفي المقعد الخلفي الى جانبي كان يجلس السيد أحمد الطبيب ..وهذا اسمه وليس مهنته!! كان ينزل ضيفا على الأهدل بعد أدائه لمناسك العمرة وهو الآن على أحر من الجمر شوقا للأحبة في وطنه اليمن السعيد..لكن الذي يحبسه هو ما يؤمله من صلة كبيرة يمنحه إياها الأهدل كعادته في المناسبات المماثلة وهو ما لم يتحقق إلى الآن!!..كنا جميعا ننصت إلى مقاطع من قصيدة البردة للإمام البوصيري يلقيها بتأثر أبو عبدالسلام وهذه كنية الأهدل..فيما كنا ننعطف الى اليسار باتجاه مزرعة الشيخ عبدالمحسن التويجري الواقعة على ربوة غناء في هذه البيئة المثالية للنزهة والترويح عن النفس.. هدوء يحمل على الشجن ..ويستقبلنا حارس المزرعة وهو فلاح صعيدي دائم البسمة واضح الطيبة والصفاء..ولم نلبث إلاّ وقد هيأ لنا مجلسا أنيقا في ركن تحيطه الورود من كل لون وصنف ..وبدأنا أحاديث السمر التي لم تخرج عن إهاب الشعر وأغراضه المتعددة..قلت : لقد أبدع البوصيري في بردته أوبرأته كما يسميها البعض إلا أن شوقي قد فاق كل الشعراء الذين سبقوه وربما من سيأتي بعده ، بقصيدته (نهج البردة) وانطلقت فألقيتها كاملة فيما كان الأهدل يترنح طربا ويستوقفني مرارا قائلا: أعد يا محمد أعد!! فأعيد ..
صلاح أمرك للأخلاق مرجعــه......فقوم النفس بالأخلاق تستـــقـم
والنفس من خيرها في خير عافية..والنفس من شرها في مرتع وخـم
تطغى إذا مكنت من لذة وهــوى....طغي الجياد إذا عضت على الشكم
وما كدت أصل الى قوله:
يارب أحسنت بدء المسلمين به......فتمم الفضل وامنح حسن مختتــم
حتى تناول رأسي وقبله وقد أخذ منه الطرب ما أخذ ..والقصيدة في 190 بيتا ولعلي لم أحفظها كاملة .. لكني ألقيت جلها بالتأكيد ..الآن بدأت أطمئن إلى أنني أحصد المزيد من النقاط التي تلزمني لتفجير الطاقات العاطفية لدى الأهدل ..في ظل ترقب حذر يلتمع على محيّا السيد أحمد الطبيب !! فاستأنفت قائلا : أما ذكرى المولد النبوي فقد خصه أمير الشعراء بـ :
سلو قلبي غداة ســـلا وثابا .....لعل على الجمال له عتـابا
ويسأل في الحوادث ذو صواب .....فهل ترك الجمال له صوابا
ومضيت ألقي القصيدة بنبرة مؤثرة وما كدت أتم قول الشاعر:
وأسدت للبرية بنت وهــب ....يدا بيضاء طوقت الرقــابا
لقد ولدته وهــاجـا منيرا.....كما تلد السماوات الشهـــابا
حتى اهتز الرجل من شدة التأثر ونزع رزمة المال التي بحوزته وألقاها علي !! وفيما كنت أجمع المال وأرتب الأوراق النقدية في جيبي بكل هدوء ..كان إلقائي متواصلا لم ينقطع ..وهنا جحظت عينا الطبيب وامتقع لونه ..لسبب لعله سينكشف لنا قريبا..قلت: والآن سأسمعكم الهمزية النبوية ..وهنا تنحنح الطبيب والتفت اليّ شزرا وخاطبني بنبرة مشوبة بالغضب وقال:( مَهْ فُكّنَا ياخي لبّاعُ خاف الله..) هنا انخرط الجميع في ضحك هستيري بل وكاد يغشى على البعض من شدة الضحك..فعلمت أن هذه الرزمة من المال هي ما تبقى من مرتب الدكتور.. وكان يجب أن يذهب جزء منها لنفقات السفر الذي طال انتظاره من قبل أحمد الطبيب!!ولكنها ذهبت إلى جيبي صلة وعطاءً تحت سمعه وبصره!!
الأداء المسرحي
**تلقيت دروسا في فن التمثيل المسرحي على يد الفنان السوداني عثمان أحمد حمد وهو بالمناسبة خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة ومن دفعة غيث وليلى حمادة وغيرهم من ألمع النجوم المصريين..وكانت جمعية الثقافة والفنون بالطائف تتبنى العديد من المواهب المسرحية وكنت واحدا من بينها ..ورغم ما يبذله الأستاذ فهد ردة الحارثي من جهد واضح في سبيل كتابة النص المسرحي أو انتقائه من اعمال الكتاب العرب إلاّ أنني كنت أطمح لأداء الأدوار المركبة ..وهو مالم يتحقق على خشبة المسرح في حينه ..وذات مساء رن جرس الباب ففتحت لأجد الصديق الأستاذ حسن بن فرحان الفيفي وإلى جواره رجل الأعمال سعيد باخشوين وهذا الأخير لم ألتق به قبلا غير مرة يتيمة.. لقد فتحت الباب متجهما عابسا انظر شزرا متظاهرا بعدم معرفتي لهم وبلهجة مكسرة لثغاء .. قلت: نعم من أنتم ؟ وعمّن تبحثون؟ فبادر الأخ حسن قائلا : ناد لنا على الأخ محمد لو سمحت وانقل له أن صديقين بالباب..فهززت رأسي بالإيجاب ثم انطلقت بسرعة البرق وبدلت ملابسي في أجزاء من الثانية!!وفي لمح البصر عدت إليهم هاشا باشا مرحبا وقد تغيرت كل ملامحي !! وطلبت منهم الولوج الى غرفة الجلوس ..هذا المشهد الذي أديته بشخصيتين لم يستغرق أكثر من دقيقتين .. أما تداعياته فقد تجسدت على ملامح الأخ سعيد ..الذي صدم في أول الأمر بذلك الاستقبال الذي لم يتوقعه مطلقا .. بينما كان لسرعة البديهة من جانب الأستاذ حسن بن فرحان أثرها الحاسم في نجاح المشهد دون تواطئ مسبق ولكنه أدرك بفراسته أن في الأمر أمر..جلسنا نتجاذب أطراف الحديث ونذهب فيه كل مذهب ..فمرة يكون عن مشروع البنك الأهلي الذي يشيده في شارع أبي بكر بمدينة الطائف.. ومرة عن سفرياته المتعددة وكيف أتقن لغات عدة وانقضى من الليل أوله وأراد أن يستأذن لكنه سألني عمّن يعول شقيقي التوأم ؟ قلت له أنا طبعا!! فهو يرفض كل الناس !!..عندها نزع من جيبه مبلغا من المال وبدأ يحلف أغلظ الأيمان... قاطعه صديقنا الأستاذ حسن عندما أطلق ضحكة مدوية عاصفة !! وتبعته بأخرى من جانبي مباشرة.. فيما الرجل ينظر إلينا باستغراب شديد!! متسائلا ما الذي فعله حتى يثير كل هذا الضحك؟ ..فكنا نؤكد له أن الذي رآه لم يكن سواي !! ولكن دون أن يصدق من ذلك شيئا.. حتى أقسمنا له الأيمان ..فعاد يشاركنا الضحك!!قلت لعلي قد أتقنت الدور الى الحد الذي جعل الأستاذ سعيد باخشوين يتعاطف مع ذلك المسكين الذي اعتقده شقيقا توأما لمحمد بن مسعود فتحركت عواطفه مواساة وشفقة.. مما جعل الأمر يستدعي وقفة نبيلة كتلك ..والآن ..تحية إكبار وإجلال لرجل الأعمال باخشوين ودعائي له بالتوفيق!!
مصادر الثقافة
**تعمدت في الحلقات السابقة أن تتضمن جرعة من المرح والدعابة ..ليس لأجل الدعاية والاستقطاب ، وإنما بالقدر الذي يعطي فكرة عامة عن النهج الذي تسير عليه هذه السلسلة..في محاولة لإبعادها قدر المستطاع عن شبح الرتابة الذي قد يعصف بها فيما لو أخذنا في الاعتبار حقيقة أن الشخصية التي تسردها هامشية جدا وليس لديها ما يمكننا تسميته(مذكرات) ..فإذاً هي تدور في فلك تلك الشخصية البسيطة التي لا ينتظر منها أن تزيح النقاب عن حقائق تاريخية ما ..أو تضيف شيئا جديدا للقارئ المتابع ..ولكنها تجربة جديدة ، أو هي مغامرة لا تخلو من الشجاعة والإقدام من قبلي!! لعلي أحسبها كذلك.. ومن هذا المنطلق سنمضي ..قلت: ليس هناك مقارنة بين ما كانت عليه مصادرالثقافة قبل 30 عاما وماهي عليه في يومنا الحاضر.. إذ كانت شحيحة بمبالغة ..أوقل عنها نادرة بالنسبة للمساحة الجغرافية الشاسعة لوطننا الكبير..لمست ذلك بوضوح شديد عندما ألقيت عصى الترحال في مدينة الطائف بعد تجربة قصيرة أمضيتها في مدينة تبوك شمال غرب المملكة أواخر القرن الماضي الهجري ، فكان الفرق يستحيل سبره بين هذه وتلك..ومعروف لمدن الحجاز دورها الريادي في انتاج المعرفة الإنسانية على مر التاريخ .حيث بقيت مركزا للإشعاع الثقافي ، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..وينفتح أمامي أفقا جديدا بما في الكلمة من معنى.. لقد جئت متعطشا للمعرفة بصورة ملفتة ..وعندما ذهبنا إلى المأذون الشرعي كانت مفاجأة هناك تنتظرني ..قيل لنا بأن المأذون في عمرة ويمكننا أن نقصد شيخا آخر في مكتبة غربي مسجد العباس ..وهكذا مضينا حيث ترجلنا من السيارة إلى المكتبة..ثم...الله أكبر!! إنها المكتبة الكمالية الشهيرة والتي تغير اسمها الى مكتبة المعارف.. دلفنا إلى المكتبة ..يا إلهي!! لم يسبق أن رأيت شيئا مماثلا من قبل!! كل هذه كتب ؟ وبدأت استعرض بدهشة واستغراق!! ـ وين تابعيتك؟ـ التابعيّة ؟ ها..ليش؟ـ اعط الشيخ تابعيتك ليجري عقد نكاحك..نزعتها من جيبي وناولتها إياه..فطلب مني الإقتراب أكثر ..فألقى خطبة النكاح بلسان عربي مبين..ثم كتب العقد وسلمني إياه ..فقرأت توقيعه ..إنه نفس الاسم المكتوب على اللوحة الخارجية المعلقة في واجهة مكتبة المعارف!! نعم فالذي أجرى عقد نكاحي هو الشيخ محمد سعيد حسن كمال رحمه الله رحمة واسعة ..وهو شخصية حجازية فذة وعلم من أعلام الفكر والمعرفة ..لقد أحببته ولازمته كثيرا وحدثني في مناسبات عدة عن علاقته بالتعليم في بداية العهد السعودي وأنه كان من أوائل المعلمين بمدرسة الأمراء أو معهد الأنجال بالطائف .. وامتدحهم وأثنى على واحد من أولائك التلاميذ هو صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ..يقول زرته مؤخرا في عسير وبهرني والله بحفاوته وكرمه..وأخذ يداعبني مداعبة الإبن البار لأبيه ويذكرني ببعض المواقف التي عادة ما تكون بين المعلم وتلامذته وأهمها التأديب ..لقد كان يتحدث عن الأمير خالد الفيصل مبتسما تطفو على لغته مشاعر الاعجاب والرضى ..كان ذلك قبل ربع قرن من الزمان..لقد كان صاحب أهم مكتبة في الطائف وواحد من أهم الشخصيات التي أثرت في حياتي الثقافية..فقد تولى النشر حقبة طويلة وافرزت المكتبة الكمالية عددا كبيرا من كتب التراث .. وبالمناسبة فهو صاحب سلسلة الأزهار النادية التي صدرت عن المكتبة الكمالية في أحد عشر جزءً إن لم تخني الذاكرة ..جمع فيها أشعار البادية .. وحدثني كيف أن هدف هذه السلسلة كان تجاريا بحتا ..حيث مُنِيَ سوق الكتاب بكساد شديد في حين ارتفعت نفقات الطباعة في الربع الأخير من القرن الهجري الماضي ..
لم يمض عام كامل على افتتاح القناة الرسمية الثانية لوزارة الإعلام والناطقة باللغة الإنجليزية ..حتى كنت اجتاز شارع شبرا في الطائف باتجاه حي بن سويلم ..كان ذلك بعد فترة وجيزة من توحيد البث التلفزيوني في المملكة والذي تمكن المشاهد في فيفاء من التقاطه سنة 1397 أو98 لست متأكدا بدقة..وكنت من أوائل المقتنين لجهاز تلفزيون بحجم 12 بوصة أبيض وأسود,, حريص على متابعته بشغف لا يحد..أما البث فكان من مركز تلفزيون أبها ومن خلاله عرفت بعض مذيعي النشرة الإخبارية منهم الأستاذ أحمد العسيري والأستاذ مقبل العصيمي وغيرهم..والاضافة الثقافية التي حملتها معي عن طريق التلفزيون لم تكن يسيرة أو هامشية..أما كتبي القليلة فقد تركتها في تبوك داخل دولابي الخشبي الأزرق بالفصيل الثاني من السرية الثالثة فذهبت مع الأمتعة المجرودة بعد أن صدر قرار طي قيدي بموجب الغياب..وفي مدينة الطائف فالأمر يكاد يكون مختلفا بالنسبة لتوفر الكتاب لمن أراد القراءة والاطلاع أو رغب في الاقتناء كل ذلك متاح للجميع ..ولم يمض كثير وقت حتى عرفت الطريق إلى مكتبة جامع العباس العامة ..ومكتبة الجامعة بحي شهار..والمكتبة العامة بحي الربوة ..أما المكتبات التجارية فقد كانت أشهرها مكتبة المعارف ومكتبة المؤيد ومنهما بدأت أجمع مكتبتي الخاصة..لقد دعاني الشيخ محمد سعيد حسن كمال رحمه الله إلى زيارته.. وفتح لي مخازن كتبه الملحقة بمنزله وكانت أضعاف أضعاف مكتبة المعارف ..وعندما لاحظت وجود أكثر من نسخة للكتاب الواحد.. سألت الشيخ إن كان يمكنني شراء ما أرغب من كتب؟ فأجابني : نعم يمكنك ذلك وبسعر أقل!! فانطلقتُ أجمعُ من تلك العناوين الموسوعية , مثل الأغاني ..ولسان العرب ..ومعجم البلدان ..وفتح الباري ..وارواء الغليل ..والنحو الوافي ..ومعجم الشعراء..وحظيت بمجموعة أخرى قدمها لى الشيخ هدية مجانية مازلت أحتفظ بها إلى الآن وكانت نسخة من كتاب (الإرتسامات اللطاف) لشكيب أرسلان ..وأخرى بتحقيقه لديوان الشاعر الصوفي اليمني عبدالرحيم البرعي .. ونسخة من كتاب ( مارأيت وما سمعت) لخير الدين الزّركلي..وقد كانت هناك نسخ تالفة إما بفعل البلل أو بغزو الأرضة فرغبت أن أحصل منها على شيء ، فلم يمانع لكنه حذّرني من أنها ستمتد لتهلك النسخ السليمة من كتبي فعدلت عن ذلك.ثم اصطحبني الى قسم المخطوطات فأطلعني على مجموعات كبيرة ..بعضها تم نشره والقليل لم ينشر..ولفت نظري إلى غلاء النسخ المخطوطة التي جمعها عبر رحلات عدة ..وقد حقق اليسير منها .إلى جانب الكتاب كانت هناك مصادرأخرى للثقافة بالنسبة لي ، كالمطبوعات الدورية ، التي لم تكن بالوفرة التي نشهدها الآن ..ولقد شهدت خلال الثلاثين عاما المنصرمةولادة عدد لايحصى من الدوريّات ولم أجد في كثير منها ما كنت أحصل عليه في مجلة (المختار) من ريدرج دايجست الشهرية..والمجلة العربية ، ومجلة العربي التي تصدر في الكويت ..وكنت شديد الحرص على اقتناء هذه المطبوعات الثلاث حتى اجتمع لي ارشيف كبير تولّى أبنائي تمزيقه وإتلافه على مراحل وخلّصوني من أعباء نقله أثناء ترحالي ولم يعد في حوزتي منه شيء.ظلت القصة الواقعية التي تنشرها المختار وجبتي المفضلة ..كما كان الإستطلاع الذي تنشره مجلة العربي الزاية الأكثر جاذبية فهي تبهرني أو قل تسحرني ..بما تقدمه من استطلاعات مصورة تجوب فيها أماكن غريبة فتنقلني معها أينما ذهبت في رحلاتها عبر صياغة آسرة ، مصحوبة بالصور الفوتوغرافية الملونة.. أما المجلة العربية التي كان يرأس تحريرها الأديب والصحفي حمد القاضي فقد كانت مادتها جذابة من الغلاف للغلاف ..بما تعكسه من صورة شفافة لتطور الثقافة المحلية من جانب ..وما تقدمه للقارئ كنافذة مطلة على الثقافة العربية .. وعلى صفحاتها تابعت العديد من الأسماء في فنون متعددة ..تابعت الشاعر محمود مفلح الذي كان يضاف الى اسمه (نجران) حتى اعتقدت أنه من نجران ..وتابعت الكاتبة فاطمة فيصل العتيبي وغيرهم الكثير.. وعموما كانت هذه المطبوعات مدرستي المبكرة .. وإن ضمت مدارس متباينة إلاّ أن اسهامها في تشكيل وجداني ربما كان له كبير الأثر في اقتحامي المجال الصحفي بعد عشر سنوات كما سيمر بنا لاحقا..
خمس سنوات على وجه التقريب كنت خلالها منهمكا في القراءة الحرّة ..وعندما أتذكرها اليوم ، يمكنني وصفها بالقراءة الجادة..ولعله في صيف 1404هـ التحقت بحلقة الشيخ محمد العيافي رحمه الله ..بأحد مساجد حي العقيق وكان الدرس يقام بين العشائين ..ويتراوح بين الحديث وشرحه من رياض الصالحين.. والفقه في الفروض من متن الرحبية ..وفي النحو ألفية ابن مالك ..ودروس حرة في مادة الأدب وتتناول قصيدة شهيرة حفظا وشرحا .. الى جانب التلاوة والحفظ من كتاب الله .. لقد كان يأتي الشيخ للإصطياف ويمنح الراغبين في المعرفة فرصة مجانية أسأل الله أن يغفر له ويجزل ثوابه لقاء بره بما ينفع الناس..وخلال اسابيع انقطعت عن دروس الشيخ ..وسأل عني بعض الطلبة وألح عليهم لأجل عودتي ..لكني كنت أتذرع بانشغالي ..والحقيقة أنني وجدت مستوى الطلبة أقل بكثير من المتوقع ..وفي هذه الحالة سأكون مضطرا للسير معهم ، في حين من المفترض أن أكون ضمن مستوى متقدما ..فمن حيث تحصيلي السابق فقد حفظت متن الرحبية في الفرائض بينما كانوا في باب موانع الإرث ..وفي الألفية مازالوا في المعرب والمبني بينما حفظت منها فصولا متقدمة وقل ذلك في الدروس الأخرى.و في العام التالي التحقت بمدرسة الملك عبدالعزيز الليلية وحصلت منها على الشهادة العلمية الوحيدة في حياتي وكانت أولى متابعة بتفوق!..كان ذلك تحت اصرار ومبالغة من المقربين فأردت اسكاتهم بعودتي لمقاعد الدراسة ..أما رغبتهم فكانت من أجل المصلحة التي تنتظرني بعد حصولي على الشهادة العلمية المناسبة ..أما أنا فقد كنت أعتبر ذلك هدرا لطاقاتي المسخرة للقراءة الحرة ..قال المتنبي :وكل يرى درب السماحة والندى .....ولكن طبع النفس للنفس قـــائدلا أدري هل قاله المتنبي على هذا النحو أم لا ولعل بعضكم يصححه لي ..أما الدكتور محمد بن إبراهيم العوضي ..الذي تعرفونه جيدا من خلال القنوات الفضائية فقد كان ذات مساء في مدينة الطائف قادما من مكة في زيارة لزميله الأستاذ سلمان بن جابر العبدلي الذي قال مشيرا إليه هذا فضيلة الشيخ محمد العوضي الداعية الكويتي المعروف ..قلت أهلا وسهلا تشرفت ..لقد كان مرحا وصاحب نكتة .. في حديث آسر.. وحجة قوية في بيان وبلاغة نادرة ..مما كان له أثره ووقعه الحسن في النفس.. فانطلقت بعد هذا اللقاء الى استديو التسجيلات الإسلامية واشتريت كافة خطب الرجل واستمعت لها أوقل تتلمذت عليها وتابعت جديده زمنا ليس بالقصير.. لقد كان في مكة من أجل تحضير رسالة الماجستير في جامعة أم القرى .قلت: ولعل بعض اللقاءات العابرة في حياتنا تترك أثرا إيجابيا يلازمنا مدى الحياة .. إنه حب المعرفة ..والحب للعلم وأهله ، فلم أكن مندفعا لأجل غرض أوهدف..مُسَلّما قيادي لعشق المعرفه ..ولم يكن ذلك بناء على تخطيط مسبق أو فلسفة معينة ..وإنما هي الأمور سارت كذلك.وأعود الى الحديث عن مصادر أخرى..حيث قام فرع الشركة الوطنية للتوزيع باستئجار المبني المجاور للعمارة السكنية التي أقطنها ..وهذه الشركة لمن لا يعرف مهمتها ..فهي معنية بتوزيع الصحف والمجلات والمطبوعات المختلفة على كافة منافذ التسويق..وقد حصلت على امتياز التوزيع لكافة المطبوعات العربية التي تسوّق في المملكة ..مدير الفرع كان الصديق محمد عوض الذي أغدق عليّ بل أغرقني من تلك المطبوعات المختلفة مستفيدا من الرجيع عامٌ كاملٌ حتى ضاقت مكتبتي بالدوريّات ومللتها ..ولعل مجلة (المجتمع) الكويتية ومجلة (اليمامة) من أبرز ما تابعته حينذاك .. تلك كانت مرحلة اتسمت بالتلقي والقراءة المكثفة ويظل الأنسان يكتشف جهله الشديد يوما بعد آخر مهما ادعى أنه قرأ وتعلم..
للحديث بقية

هناك 3 تعليقات:

  1. في غاية الجمال ... ولكن هناك بعض الأخطاء المطبعية .. تقبل شكري وتقديري ومحبتي أيها الأخ الكريم .. متعك الله بالصحة والعافة ,,
    أخوك الأصغر جدا جدا //علي بن عبد الله .

    ردحذف
  2. سوسة محترمة17 يونيو 2011 في 7:30 ص

    ماشاء الله تبارك الرحمن ..
    كتاباتك جدآآآ رائعهــ تفوق الوصف ..
    اسأل الله لك مزيدا من التقدم والنجاح ..
    تقبل تحياتي ..
    ودمت بخير ..

    ردحذف
  3. استاذي
    ايامك جميلة حقا
    متعك الله بكل لحظات صفاءك ومتع بك محبوك
    كن بخير فقد اسعدتني بكلماتك السابقة ومرحك الحلو فيها

    ردحذف

:: مدونة إيقاعات سحابة عابرة، جميع الحقوق محفوظة 2010، تعريب وتطوير مكتبة خالدية::