الأهمية التاريخية للموقع
كان لموقع عثَّر دور مهم وحيوي في تاريخ القديم من حيث النواحي السياسية والتجارية والاقتصادية وإذا كانت المصادر لم تفصّل الحالة السياسية للموقع قبل الإسلام فمن الثابتأن المتمرد اليمني الأسود العنسي قد سيطر على هذا الموقع ضمن المناطق التي زحف إليها وذلك في السنة العاشرة من الهجرة النبوية .وفي منتصف القرن الرابع الهجري اكتسب الموقع أهمية في عهد سليمان بن طرف . ففي تلك الحقبة جرى في عثّر سك الدنانير الذهبية .والمعروف أن تلك الحقبة من عهد الخلافة الإسلامية شهدت استقلال كثير من الأقاليم الإسلامية ولا سيما بعد سيطرة البويهيين(الديلم) على بغداد وبقاء الخلافة العباسية ذات سلطة شكلية رمزية.. فأصبحت أغلب الأقاليم ذات سيادة ذاتية .وأصبح موقع عثّر عاصمة لأمارة سليمان بن طرف الحكمي والتي كانت قبل ضم عثّر مكونة من مخلف "حكم" وقد عزز انتقال العاصمة إلى عثّر من أهمية حتى إن الدنانير الذهبية التي سكت في تلك الحقبة عُرفت بالدنانير العثرية . وفي هذه الحقبة ازدهرت عثّر اقتصادياً وعمرانياً وزادت أهميتها السياسية وأصبح ميناؤها من أنشط الموانئ البحرية بعد ميناء جدة وقد استمر هذا الازدهار قرابة قرن من الزمان إلى(450هـ) " ثم أخذت تلك المكانة بسبب الأحوال السياسية تفقد أهميتها شيئاً فشيئاً إلى أن هجر الميناء في(453هـ) " بعد قرون من الحياة المزدهرة على أن ذلك لا يعني أن تلك المنطقة قد هجرت بشكل تام فإحدى القرى في الموقع ضلت موجودة حتى العصور الحديثة وهو ما سنذكره لاحقاً عن الحالة الراهنة للموقع .أما العصر الذي سبق الإسلام فقد ذكر الأستاذ المؤرخ العقيلي في كتابة:"الآثار التاريخية في منطقة جازان"أن نقوثاً سبئية وجدت في موقع عثّر وقد نقلت هذه النقوش إلى جهة مختصة في مدينة جدة.كما أن الرمال التي أزاحتها السيول كشفت عن مقبرة لا يشك كل من رآها في أنها نعود بسبب وضعية القبور فيها إلى فترة متقدمة عن الإسلام وقد ورد ذكر موقع عثّر في قصيدة بعض الشعراء الجاهليين حيث ذكرها عروة بن الورد في قوله :يـظـل الإبـاء سـاقـطاً فـوق متنهله العدوة القصوى إذا القرن أسحراكـأن خوات الرعـد رزّ زئيـرهمـن الـلاء يسـكن الغريف بـ "عَثَّرا"وفي رواية لبيت زهير وَرَدَ قوله :ليثٌ بـ عثَّر يصطاد الرجال إذامـا الـلـيث كـذب عـن أقـرانـه صـدقـاونظراً لأهمية عثّر التاريخية فقد قامت إدارة الآثار بتسجيل الموقع ضمن الموقع الأثرية المهمة التي يجب المحافظة عليها وقامت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بحفريات أثرية في الموقع في منطقة واسعة للتنقيب عن الآثار التي توجد تحت الكثبان الرملية القريبة من الساحل وقد تم العثور على جزء من بقايا مسجد كبير وبعض المباني الأخرى المشيدة من الحجر الرملي والطوب الطيني والمرجان .موقع عثّر الجغرافيتقع مدينة عثّر التاريخية شمال مدينة جازان بما لا يتجاوز(40كم) على ساحل البحر الأحمر وإلى الغرب من محافظة صبيا بنحو (16كم) . والمنطقة تعرف الآن بـ"قوز الجعافرة" نسبة إلى القبيلة التي تسكن تلك الناحية في الوقت الحاضر وقد ذكر الموقع الهمداني في تحديده لأقاليم جنوب الجزيرة العربية حيث رتبها من الجنوب للشمال بقول :"... فباحة جازان إلى عثَّر فرأس عثَّر وهو شديد الموج" وفي موضع آخر :"... وبيش وساحلة وهو سوق عظيم.." كما أشار إليها العقيلي في معجمه الجغرافيالحالة الراهنة للموقعحين نعو للمعاجم نجد أن ثمة خلاف حول ضبط الاسم هل هو عثَّر أم عثَر أم عثْر أي بتشديد الثاء أم تحريكها بالفتح أم بتسكينها غير أنه يمكن الخروج باتفاق من ذلك الخلاف حول المعنى هو: ما سقته السماء من النخيل وقيل هو الزرع وما سُقي بماء السيل والمطر وأجري إليه الماء من المسايل .وفي جولتنا على أطلال عثّر الذي يقع بين عدد من الأودية التي تسقي أراضيه نجد من الجنوب واديي صبيا ونخلان ومن الشمال وادي بيش المشهور وقد لاحظنا أن أشجار النخيل وبساتينه ما تزال تروى من هذه الأودية وليس أدل على ذلك سوى مسمى وادي نخلان الذي اكتسبه من معني عثّر اللغوي الأمر الذي يطابق بين الخلاف اللغوي والمنظور على أرض الواقع غير أن زحف الرمال وعوامل المناخ الأخرى كالقرب من البحر هي التي جعلت الموقع مطموراً تحت تلك التلال من الكثبان الرملية ؟وقد لاحظنا أيضا في جولتنا على الموقع في الجهة الغربية من قرية قوز الجعافرة وجود سور من الحديد يمتد إلى مساحة كبيرة وهو يحيط الموقع الذي كانت تقوم عليه مدينة عثَّر التاريخية ويتضح في الموقع وجود حفريتين على الأقل في الموقع حيث برزت أساسات أكثر من حصن كانت تقوم على مرتفعات من الأرض قرب الشاطئ لكن التنقيب يبدو أنه كان للتأكيد من وجود معالم المدينة القديمة كما لاحظنا فوق إحدى الهضاب وجود مقبرة عظيمة كشفت السيول عن جزء منها .وقد أكد بعض المرافقين لنا من أهالي المنطقة وجنود حرس الحدود أن تلك القبور لا تتجه إلى جهة القبلة مما يوحي بأنها موجودة قبل الإسلامبعض المصادر التاريخية التي ورد فيها ذكر الموقعذكر الموقع عدد من المؤرخين والرحالة العرب ومنهم :اليعقوبي المتوفى سنة (278) ويعد أقدم من ذكر الموقع في "جادة مكة - صنعاء " .الهمداني في:" صفة جزيرة العرب وقد ذكرها في عدة مواضع فقال: "وعرض عثَّر : (16) وطولها من المشرق(119)" كما ذكرها في موقعين آخرينصـ52 وصـ 54 .ابن خردازبه في :" المسالك والممالك" صـ193 .المقدسي في :" أحسن التقاسيم"صـ86 - 99 .المؤرخ حسين الأهدل في :" تحفة الزمن في ذكر سادات اليمن " .ومن المصادر التي اعتمدنا عليها في هذا التقريرالآثار التاريخية لمنطقة جازان.. للأستاذ محمد بن أحمد العقيلي .المعجم الجغرافي لمنطقة جازان.. للأستاذ محمد بن أحمد العقيلي .لسان العرب لابن منظور .معجم البلدان لياقوت الحموي .تاج العروس للزبيدي .مقابلات شخصية مع بعض سكان قرية قوز الجعافرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق